على يد ذلك الوزير إلى ما لم يمكن التوصل به على يد غيره من ذوي العرض والعقل ، فلذلك بينما كانت مساعي الوزير جارية في إبدال القنسل وإذا بالسعاية إليه قد غيرت مشربه حتى طمع في ولاية العهد بأن يتولى هو الإمارة بعد سيده الوالي الحالي الصادق باشا إذا أتم إدخال تونس طوعا تحت فرنسا ، فراكن حينئذ قنسلها وأحكم معه المودة وصارت بطانة الوزير تأتي إليه معلمة بجميع أسرار الحكومة وسائر تصرفاتها ، وأضمر ابن إسماعيل الشر لمن كان أوعز إليه بأن يشتكى من القنسل إلى دولته ، ثم تفطن بذلك التواطؤ السري ونصحه بأنه لا ينتج له شيئا وعلى فرض الوفاء له بالوعد فإنه لا يلبث أن يناله ما نال الوزير ابن العلقمي (١) في انقراض دولة بني العباس من بغداد ، واتفق ذلك الوزير مع القنسل على شروط إدخال تونس تحت فرنسا غير أن الوالي لم يساعف على لائحة تلك الشروط التي قدمت إليه سرا بواسطة الوزير ، وخشي من الدول ومن الأهالي في البغي منه على الدولة العثمانية وفي تغيير حالة السياسة وجعل الوالي يسوف العقد من وقت إلى آخر ، وجعل الوزير يسعى في إحداث وجه لتداخل فرنسا وإنفاذ أمرها فأكثر من الرسل السرية إلى الأستانة متطلبا أن يدعى هو إليها رسميا أو يرسل بعض الأسطول العثماني إلى مرسى تونس ، مع إظهار زيادة التشيع إلى الدولة العثمانية حتى لا يتفطن إلى مساعيه الباطنية فلم يساعف من السلطان إلى مطلبه ، إذ لم يكن له من داع كما أنه لم تفد في الدولة العثمانية الإيقاظات إلى دسائسه وعزمه حتى تسعى في سعة لدفع الغوائل المتوقعة ، إذ من الملوم إن الدغل السياسي هو كالمرض المزمن الذي لا ينجح فيه العلاج إلا تدريجا عند أول حدوثه سيما إذا كانت الدولة المعالجة محتاجة إلى استمالة غيرها من الدول القوية إلى معاضدتها على قرنها القوي ، ومع ذلك أيضا قد عكر الوزير ابن إسماعيل حالة الخلطة مع إيطاليا لعلها تعلن على تونس الحرب ومنح للفرنساويين منحا لم يطلبوها مما يزيد في نفوذهم والشحناء معهم كما تقدم ذكره في المطلب الثامن من أحوال تونس ، ولما لم تنجح جميع تلك المساعي التي كان يمكن لفرنسا الإستناد عليها في وضع حمايتها على تونس أحدثوا أقاويل في إهمال حقوق الفرنساويين بتونس وأظهر الوزير المذكور الإستخفاف بقنسل فرنسا ومال عنه كل الميل ظاهرا ، ورام أن يظهر التعطيل في إجراء المنح التي أنالها إلى الفرنسيس بأوجه من الإعتذارات حتى أغريت رعايا فرنسا بتونس على أن تكتب تقريرا بالتشكي من ضياع حقوقهم وطلب دولتهم للإنتصاف لهم ، فلم يرع الأمم إلا أن فرنسا جلبت بخيلها ورجلها على حدود تونس معلنة بأن قصدها إنما هو حفظ حقوقها من جهة
__________________
(١) هو محمد بن أحمد بن علي أبو طالب مؤيد الدين الأسدي البغدادي المعروف بابن العلقمي (٥٩٣ ـ ٦٥٦ ه) وزير المستعصم العباسي وصاحب الجريمة النكراء في ممالأة هولاكو على غزو بغداد. توفي ببغداد غمّا في قلّة وذلّة. الأعلام ٥ / ٣٢١ شذرات الذهب ٥ / ٢٧٢ الوافي بالوفيات ١ / ١٨٥ مرآة الجنان ٤ / ١٤٧ فوات الوفيات ٢ / ١٥٢ النجوم الزاهرة ٧ / ٢٠ تاريخ ابن الوردي ٢ / ٢٠١ تاريخ الخميس ٢ / ٣٧٧.