البرتغال لما تسبب عن حروب سالفة مع إسبانيا وفرنسا ، وأما بقية الدول فلا فضل عندهم لانكلاتيره على مونكو في أحوالهم سوى ما تجر إليه السياسة الآتي إيضاحها ، وأما أمريكا فهي أيضا على ذلك المنوال ، وأما آسيا وأفريقية فعلى وجه آخر مع دولها من حيثيتين.
الأولى : سوء المعاهدات القديمة معهم التي لم يراع فيها إلا الحالة الراهنة إذ ذاك مع عدم تقييد المعاهدات بمدّة محدودة ، فتغير الزمان وتغيرت الحالات وبقيت أحكام المعاهدات على ما هي عليه ، فلزم منها أن تكون لدولة الإنكليز شبه دولة مستقلة في كل من هاته الممالك بحيث أن رعاياها غير داخلين تحت الأحكام مثل الأهالي ، بل يحكم في الشخصيات قناسلهم وحدهم أو بحضورهم أو حضور أحد من سفارتهم مع حاكم البلد وله الإعتراض على الحاكم في الحكم ، وفي بعض الممالك إذ كان الحكم في جناية فإنما ينفذ في إحدى ممالك الإنكليز إلى غير ذلك مما يتعسر معه للأهالي الوصول إلى الحق ، ويحصل منه شبه حكومة مستقلة في وسط المملكة وليس ذلك بخاص بالإنكليز بل عام في جميع دول أوروبا مع تلك الممالك ، وغاية الخلاف هو زيادة التظاهر والتظلم من أحكام البلاد من الدول القوية ذات الغرض في النفوذ في تلك المملكة وفقد ذلك ممن ليس له قوة أو ليس له غرض.
وثانية الحيثيتين : هو أن مستعمرات الإنكليز قد مر أن أهمها هو الهند فكانت متحفظة خاشية من كل ما يوهن قوتها فيه إما بواسطة أو قصدا حتى صارت تحافظ على الطرق الموصلة إليه ، فكانت قبل فتح خليج السويس تتوصل إليه من المحيط الجنوبي وراء أفريقية فاستملكت عدة مراكز في أفريقية الغربية والجنوبية والشرقية مع عدن في آسيا ، كل ذلك لتكون لها قوات ومراكز تلجأ إليها عند الحاجة وبه يعلم أن ثمرة المستعمرات ليست خاصة بالأوجه التي أشرنا إليها ، بل منها أيضا أهمية المستعمرة من جهة كونه مركزا حربيا فقط وذلك مثل جبل الطارق ومثل مالطة وغير ذلك.
فبناء على ما شرحناه صارت سياستها الخارجية مع كل الدول القريبة من الهند والتي هي في طريقه والتي لها مصالح أو مطمح نظر إليه على نوع آخر من المشاحنة مع القوى والنفوذ مع الضعيف ، وتستعمل لذلك كلا من الترغيب والترهيب فالدول التي لها معهم دائما زيادة محاورات سياسية هي دولة الروسيا من حيث أنها امتدت في دواخل آسيا حتى اقتربت من الأفغانستان الذي هو في حدود الهند ومن حيث طموح نظرها إلى الإستيلاء على الممالك العثمانية التي يهمها بقاؤها كما يأتي إيضاحه ، والدولة الثانية التي لها معها زيادة عناية سياسية هي الدولة العثمانية وذلك من وجهين.
أولهما : أنها لا تريد زيادة نخوتها وقوتها خوفا من امتدادها إلى المشرق وارتباط المسلمين هناك بها حتى يلتحم بها مسلمو الهند ويعود الهند لما كان عليه من اللحاق بالخلافة الإسلامية.