بالقوة الجبرية ، غير أن فرنسا تطلب أن تكون قوتها وقوة إنكلاتيره هي الفعالة ولا تسمح للدولة العثمانية بذلك ، وإنكلاتيره على ضدها فتطلب مبادرة عساكر الدولة العثمانية لذلك ، فرأت الدولة العثمانية أن فصل النازلة يتم بدون احتياج إلى قوة وأرسلت درويش باشا ومن معه لذلك ، وحصل من قدومه ما أغلظ كثيرا من الأوروباويين لانقياد العساكر المصرية والأهالي للسلطان وامتثال أمره ، وابتدأ السكون والتوافق والرضى بالحصول شيئا فشيئا لكنه حدث في إسكندرية التي كانت إذ ذاك مرساها غاصة بأساطيل الدول الأوروباوية حادثة شنيعة ، وهي قتال بين المسلمين والنصارى السكان بسبب مشاجرة عادية ، فطبل الأوروباويون بذلك وزمروا حتى توجه الخديوي ودرويش باشا وعرابي إلى الإسكندرية لإقرار الراحة ، وأقر الدول أن الواقعة عادية لا دخل لها في السياسة.
غير أن أصل المسألة من إصرار الدولتين على مطلبهم وامتناع أهالي مصر لا زال على ما كان ، وفرنسا أشد إقداما وتهديدا بإعلان الحرب ، وطلبت إنكلاتيره عقد مؤتمر في الآستانة لما يجب من العمل فامتنعت الدولة العثمانية من التداخل فيه لما لها من حق السيادة وحدها على مصر ، فرأت أن ذلك من باب تداخل الدول في داخليتها لكنهم عقدوه ودخلت فيه الدولة العثمانية أخيرا ، وبينما هو في التفاوض كانت العساكر المصرية تصلح في حصون الإسكندرية حيث أنها خربة ولا استعداد فيها ، لأن الدولة العثمانية كانت حجرت على إسماعيل باشا تحصينها عندما أحكم حصن أبو قير جوار الإسكندرية وحصون دمياط وغيرها لما سبقت الإشارة إليه في أخبار إسماعيل باشا ، ولما رأت أساطيل الدولتين ذلك التحصين ادعوا أنه تهديد لهم وطلبوا الإقلاع عنه فأمرت الدولة العثمانية بالكف عن التحصين وادعى المصريون الإمتثال وادعى رئيس أسطول الإنكليز عدمه ، وطلب دخول عساكره إلى الحصون فتفاقم الخلاف وأطلقت النيران من الاسطول الإنكليزي على الإسكندرية فخربتها في نحو عشر ساعات وتضررت بعض مدرعاته ، وانحازت العساكر المصرية إلى مكان يسمى كفر الدوار وجيشوا هناك واستولت العساكر الإنكليزية على الإسكندرية وبقي الخديوي فيها وانكشف الغطاء على مخالفة العساكر للخديوي وكان معه درويش باشا المذكور ، فرجع إلى الآستانة وبقي مع الخديوي الكاتب الثاني للسلطان.
واشتد إلحاح إنكلاتيره على الدولة في إرسال العسكر ولم ترسل الدولة إلى أن وقعت عدّة محاربات برية كان النصر فيها للمصرين ، واستولت إنكلاتيره على برت سعيد وسائر خليج السويس ، وكان أكبر المعسكرات المصرية في التل الكبير بين القاهرة والإسماعيلية ، وتضايق الإنكليز في لزوم قوة كبيرة لهم لإتمام قصدهم لأن فرنسا لما فتح مجلس نوابها لاستشارته في حرب مصر أنكر ذلك أشد الإنكار فسحبت أسطولها وبقيت على الحيادة والدولة العثمانية وإن وافقت أخيرا على إرسال عسكرها لكن تشدّد الإنكليز في جعله تحت أمرهم وأن لا يتصرف إلا على نحو إشارتهم وأن يخرج متى ما أمروه بالخروج ألزم تأخر إرساله ، وكان تصرف العساكر المصرية بغاية الإحتراز من الأفعال البربرية سوى ما صدر من