فلأهلها اعتناء واتقان للزراعة وتربية الأشجار وتنميتها حتى ترى الأرض كأنها حديقة متقنة ولا تجد أرضا خالية من الأشجار ولو الأراضي الزراعية ، بحيث تجدها مقسمة بصفوف من الأشجار وبينها براحات للمزروعات فصاحب الأرض ينتفع بغلال الأشجار والحطب والزرع معا ، وترى الأرض مقسمة بتقاسيم لها منظر بهيج ونفع عظيم هذا زيادة عما يحصل من الأشجار من السبب في المطر ، وذلك لأن الله بحكمته البالغة جعل عروق الأشجار تمتص الماء من عوامق الأرض ثم تنفثه بخارا من أغصانها وأوراقها وينشأ من البخار السحاب وإذا كانت الأشجار مرتفعة جذبت ذلك السحاب لبطىء السير حتى يمطر عليها ويحصل بسبب ذلك كثرة المياه في الأرض فيكثر خصبها وقد بانت سببية ذلك بالتجربة والله الخالق الحكيم ، ثم إن صناعة الفلاحة لا يأخذونها بمجرد التقليد في العمليات بل أنها لها علم مخصوص يدرس ويصور بالمشاهدة وله مدارس مخصوصة ويعتمد كثيرا من الكيمياويات ، وحول المدارس أراضي للبيان بالعيان والتجربة والعمل وأراضي الرعي مخصوصة ، ومن حسن التربية وحراسة الحكم لا يتجاسر أحد بالرعي ولا غيره في أرض ليست له إما بالملك أو بالكراء حتى أنه ليس لبساتينهم طوابي تمنع الداخل ولا تقع عندهم سرقة الغلال إلا نادرا.
وأما بقية الصنائع فلهم كفاية في كل الصنائع الضرورية والتحسينية ، لكنهم ليس لهم معامل كثيرة التي هي من أعظم أسباب الثروة والترقي وإن كانوا لا زالوا مجتهدين في ترقياتها إلى بلوغها لمثل درجة الأمم البالغة للنهاية في المعارف والتمدن ، والحاصلون عليه الآن هو أن لهم معامل للسلاح بأنواعه ومعامل لإنشاء السفن والبواخر المدرعة ومعامل للتحليلات الكيمياوية وللأعطار وللشمع المتخذ من الشحم للدباغة للجلود ولصناعة الورق وغزل القطن ونسج الجوخ والشاشية وأنواع المنسوجات الحريرية ، ومنه النوع الفاخر المسمى «بالأمير» أو القطيفة ، ومعامل للطرز ، كما أنه يصنع بالأيدي أيضا.
ولهم معامل للزجاج والفخار والعقيق والزهور الصناعية وآلات المرايا المكبرة وآلات الموسيقى ، وخصوص أوتار بلد نابلي لها صيت كبير في جميع الجهات ، وفي نابلي وميلانو معامل متقنة للكراريس أي عجلات الركوب ، كما أن في إيطاليا إتقان لصناعة الأحذية وسائر الأنعلة وخياطة الملبوسات وهم فائقون في صناعة نحت المرمر ونقشه وكذلك صناعة المرجان والصياغة والكهربان والمادة المتجمدة النارية المنقذفة من أفواه البلاكين والموزايكو أي القطع المرمر التي الواحدة منها قدر الظفر ترصف على أشكال بديعة ويلصق بعضها ببعض بنوع من الطين والجير ، وقد شاهدت في معرض ميلانو سنة ١٢٩٨ ه سنة ١٨٨١ م من تقدم إيطاليا في سائر الصنائع ما صيرها قادرة على الإستغناء بنفسها في سائر الحاجات والتحسينات فضلا عن الضروريات ، حتى أن ملكها لما دخل المعرض مع رجال الأمة تعجب مما احتوت عليه المملكة مما لم يكن يخطر بباله ، ومن جملة ما احتوى عليه هذا المعرض تشخيص سائر أصناف الطليانيين بصور على ألوانهم