وانضباطها فالكل سواء برا أو بحرا ولذلك تجد السفر مع البريد في غاية الإنضباط لأنه لا يتخلف عن مواعيده فالمسافر معه يكون مرتاح البال عالما بيوم سفره وساعته وكذلك بساعة وصوله ، إلا أن يعرض عارض سماوي. ثم إن السفر في بواخر البريد هو أحسن من غيرها من البواخر التجارية لأن تلك أتقن نظافة وأقل ازدحاما وأرفق خدمة بالركاب حتى إذا كان البحر راكدا كان السفر نزهة ولكن قلما يصفو الحال بسبب اضطراب البحر ، أما السفر في الرتل فهو على نحو ما تقدم من الإنضباط سواء كان حاملا للبريد أم لا ، ولكل رتل رقاع مكتوب بها الإعلام بوقت سفره من كل بلد ووقت وصوله وكم يقف بها من الدقائق ويتحفظون على تلك الأوقات للغاية ، وعند ما يصل بلدة ترى خدمته يصيحون باسمها وعدد الدقائق التي يقف بها إعلاما للمسافرين ووقوفه لا يتجاوز نصف ساعة في وقتي الأكل. وأما غيرهما فأكثر وقوفه عشر دقائق إلى الدقيقتين ، وبلدان الوقوف للأكل يجد بها في المواقف بيوتا ضخمة بها موائد الأكل والمأكولات المطبوخة والفواكه كلها مهيئة ، فمنهم من يأكل هناك ومنهم من يشتري ويحمل أكله معه ، والأثمان في تلك الأماكن أغلى من غيرها. كما أن البلدان الأخرى يوجد في محطاتها الأكل لكنه دون ذلك ، وفي كل محطة تجد المستراحات ، فالركوب في الرتل منتزه على كل حال سيما مع ما أحدث فيه من المخادع المنفردة حتى يستطيع الإنسان أن ينام ويقضي جميع ضرورياته بغاية الراحة ، وفي أيام البرد تسخن المخادع بأواني نحاسية مملوءة ماء حارا ويزيد أجر هاته المخادع على الإعتيادية نحو عشرة في المائة ، وقد أحدث نوع من المركبات ذو مقاصير للإنفراد وبيت للإجتماع ، فيكون الإنسان كأنه في دار مع جيران وهو مسافر ولا يزيد الأجر في هاته المركبات على المركبات من الطبقة العليا إلا نحو الثلث.
ومن وسائط رواج التجارة ورود الأخبار بالأسلاك الكهربائية ، فأصحاب الشركات يخبرون أصحابهم كل حين بما يروج عندهم في الأقطار المختلفة وما يكسد من البضائع فيكونون على بصيرة منه ، وأعظم ما يكون ذلك في متاجر محلات «البورسي» فترى الأخبار تتساقط عليها كالمطر وبذلك ترفع أسعار أوراق الديون وغيرها أو تنحط ، وأعظم ما يؤثر في ذلك الأخبار السياسية سيما الواردة من قواعد الممالك السبع الكبيرة وهي : الاستانة ، وباريس ، ولوندره ، وبرلين ، وفينيا ، ورومة ، وصان بطرس بورغ. إذ هاته الدول هي التي عليها مدار السياسة العامة ، وقد اتخذ التجار الأخبار السياسية ملعبة للأرباح حتى صاروا يختلقون أحيانا أراجيف سياسية تارة بالتصريح وتارة بالتلويح وتتلقفها عنهم صحف الأخبار فينشأ عنها أرباح أو خسائر مبنية على أوهام ، ولذلك يرى بعضهم أن سهولة قرب الأخبار ونقل البضائع مضر بأرباح التجارة وأن الأرباح انحطت عما كانت عليه في القديم ، وهو صواب بالنظر لهيئة التجارة القديمة لكن في نفس الأمر قد ازدادت كمية التجارة ، وذلك أن التاجر ذا البضاعة من الصوف مثلا كانت لا تأتيه سفينة شراعية بها ألف قنطار من الصوف والمكاتيب المعلمة بالأسعار إلا بعد عدة أشهر فيبني عليها عمل تجارته ويشتهر خبرها ولا يبيع تلك الألف قنطار إلا بعد عدة أشهر فيربح فيها في السنة عشرين في المائة إن ساعده