وزمن قليل ، وكانت الطرق الحديدية أنفع وسيلة لذلك حسبما تقدم في الكلام على تونس ولكن الطرق الحديدية وحدها غير كافية لأنها إنما تمر على الأماكن الأكثر عمرانا فيلزم لها طرق فرعية صناعية لجلب البضاعة بسهولة لمراكز الطرق الحديدية ، ولذلك كانت سائر الجهات في إيطاليا طرق صناعية.
ومن أنفع وسائل التجارة والعمران انتظام البريد ، وهو أن الدولة تجعل أماكن في سائر البلدان لوضع المكاتيب في محل منها ويؤدي صاحب المكتوب أجرة على حمله أجرة زهيدة بالمرة ، بأن يشتري بطاقة من الورق عليها علامة مخصوصة وظهرها عليه صمغ قبيل الصمغ ويلصق البطاقة على المكتوب بحسب ثقل المكتوب في زيادة الأجرة ويكتب عنوان المكتوب بإسم المرسل إليه وبلده وحارته وعدد منزله ، فتحمل المكاتيب من كل بلد في الرتل ولها مركبة خاصة بها مرافع ذات أقسام ومستخدمون فعندما تأتي المكاتيب إلى المركبة في وعاء ، يسير الرتل ويشتغل المستخدمون في توزيع المكاتيب على أسماء البلدان ويميزون كلا على حدة ، ومهما وصل الرتل إلى بلد أقبلت أتباع البريد عن عجل إلى تلك المركبة ودفعوا لها ما عندهم وأخذوا منها ما يخص تلك البلدة ، ثم يسير الرتل وهكذا وكل بلدة أخذت المكاتيب من الرتل يؤتى بها لمحل البريد وتعطى لموزعين يوزعونها على أصحابها حسبما هو معنون عليها ، وإذا وجدوا مكتوبا غير خالص الأجرة يوصلونه للمرسل إليه فإن دفع أجرة حمله وهي إذ ذاك مضاعفة سلم إليه المكتوب وإلا أرجع إلى محل البريد وحفظ فيه مدة ثلاثة أشهر فإن جاء صاحبه باحثا عنه أدى أجرته وأخذه وإلا فتح فإن وجد به إسم مرسله ومحله أرجع إليه وأخذ منه الأجر مضاعفا وإلا أحرق ، وهكذا فيما إذا لم يوجد المرسل إليه بالمرة وكان خالص الأجرة فإنه يرجع من غير أجرة ، وإذا كان المكتوب ذا أهمية فلصاحبه تضمينه أي يجعل صاحب البريد ضامنا لإيصاله بأن يجعل عليه خواتم بالشمع خمسة أو علامة أخرى ويأخذ من صاحب البريد حجة في إيصاله إلى صاحبه ويؤدي عليه أجرا ضعفين على المعتاد ، وإذ ذاك لا يسلمه البريد إلى صاحبه إلا بأخذ حجة منه في الوصول إليه ، فإذا فرض ضياعه من صاحب البريد فإنه يؤدي للمرسل ستين أو خمسين فرنكا وهكذا سائر الأوراق المكتوبة على النحو المتقدم ، غير أن الصحف الخبرية أجرة إيصالها زهيدة بالمرة وكذلك الكتب وقد جربوا أنه مهما رخصوا في الأجرة إلا ازداد الدخل للبريد وما تقدم في كيفية الحمل للبريد في الأماكن المتصلة في البر.
أما إذا كانت الأماكن يتوصل لها بحرا فإن الدولة تتفق مع إحدى الشركات التي لها بواخر سيارة للتجارة على أن تحمل البريد بأجرة سنوية على مقدار ما يتفقون عليه من السنين ، على أن تقلع البواخر في أوقات معينة وتصل إلى أماكنها في أوقات معينة من غير تقديم ولا تأخير ، وإذا تأخرت الباخرة عن ميعادها فلا بد أن تبين بحجة السبب الإضطراري الذي حملها على التأخير وإلا فتخسر شركتها أموالا بليغة ضمانا عن التأخير ، وكذلك الرتل إذا كان لغير الدولة أعني في الإتفاق معه على حمل البريد ، أما في تعيين الأوقات