لينو الجانب بشوشون في الملاقاة غير أنهم يتجبر قسم منهم على من تسلطه الفرنساويون عليه وفيهم كثير من المؤتمنين الناصحين العقلاء مثل من رأيناهم قدموا إلى بلادنا متوظفين وأحسنوا السيرة والإنصاف والنصح إلى وطننا ، ومن الإنصاف الوفاء لهم بالذكر الجميل فمن هؤلاء صاحب رتبة الوزارة «فيليت» ، الذي قدم إلى تونس بصفة محتسب عام مالي عندما أنشىء الكومسيون المالي فأبدى من نصح الوطن والوقوف على حقوقه ودفع الغوائل عنه ما لم يصله كثير من أعيان أبناء الوطن مع العفة والصدق وسعة المعرفة ، وعلى قدمه من أتى بعده بتلك الوظيفة وهو «لبلان» ومثله كابي الذين شهد لهم كل أبناء الوطن بالإستقامة والإنصاف بحيث يصح أن يقال : إن دولة فرنسا إنما تختار لوظيفة الإحتساب المالي من هو جدير بها ولا مطعن فيه ، إذ كل من الثلاثة هو من متوظفي دولة فرنسا في الإحتساب العام المالي ، وعلى نحو من هؤلاء صاحب رتبة الوزارة «فالات» الذي قدم إلى تونس بوظيفة نائب سياسي سنة ١٢٩٠ ه فأبدى من أوجه الإنصاف ومساعدة الحكومة والأهالي على حقوقهم ما لهجت به ألسن الثناء عليه من جميع أبناء الوطن ، وقلما يرد مثل هؤلاء لمثل وطننا لتحاميهم عن المقاصد السيئة واتباعهم للإنصاف فدولتهم تقتصر بهم على وظائف داخليتها ، ومن مشاهير رجال سياستهم في عصرنا ممن اجتمعت به وله صيت بين الأمة الفرنساوية «كنبيتا» رئيس مجلس النواب ، وممن أدركناه أيضا زيادة على نابليون الثالث الرجل الشهير بالسياسة والمعارف «تيرس» وقلما تحدث أفراد مثله وإن كانت المعارف والتقدم حاصلة إلى العموم ، ومع ذلك فلا يزال في فرنسا خلق كثير على السذاجة والجهل ودونك حكاية ظريفة تقيس عليها ما يقرب منها.
ففي سنة ١٢٩٧ ه ١٨٨٠ م كان أحد أصحاب العمل باليد مشتغلا جهة باريس وكان له ابن مشتغل جهة بردو فلم يوفر الإبن من كسبه ما يشتري به حذاء ، فأرسل إلى أبيه يشتكي له القل ويطلب منه شراء حذاء له ، فاشتراه له وحمله في الطريق وهو مفكر في كيفية إيصاله إليه ، فبينما هو ماش إذ مر محاذيا للسلك الكهربائي فقال هذا أيسر طريق إني أحمله الحذاء وهو يوصله لإبني ، فجاء إلى عود السلك وعلق فيه الحذاء وأسر إلى العود بقوله أوصل هذا لابني فلان في المكان الفلاني ، وذهب مسرورا باطلاعه على مسلك سهل بلا مصروف ، ثم مر من غد متفقدا ما فعل السلك بالحذاء فوجد في ذلك المكان حذاء عتيقاء أفناه اللبس ، ففرح وقال إن إبني لعاقل حيث أرسل لي الحذاء القديم لأستعين به على ثمن الجديد ، فانظر لهاته البلاهة التي لو صدرت من أحد المشرقيين لشنعوا بجميع الجنس بأنه وحشي بعيد عن المعارف وتهذيب الأخلاق ، واعلم أن مثل ذلك الرجل كثير سيما في القرى الصغيرة والجبال ، بل وفي أهل المدن كثير ممن يعتقد بالخرافات الباطلة ويعتقد التأثير لأحجار وجمادات ويتشاءم بالأوقات فقد رأيت في كثير من بلدانهم وبلدان الطليان وكذلك الإنكليز طاقات في حيطان فيها منارات توقد ليلا بالزيت أو بالشمع العسلي تقربا إلى بعض أوليائهم أو الجن معتقدين حلول المتقرب إليه بتلك الطاقة ، ولا ينورونها