البلجيك ، ولا زالت تتقوى إلى أن ملكت جميع فرنسا. واتحدت القبائل الأخر معها بالنسل والإسم كما تقدمت الإشارة إليه في مبحث التاريخ ، وكان لهم إذ ذاك شهرة بالشجاعة والتقدم بالحرية حتى كانوا أول من كثرت خلطتهم من الأروباويين بالعرب وأهل المشرق ، ولذلك ترى أن إسم الإفرنج يطلق على جميع أهل أوروبا عند جميع المشرقيين والعرب ، وذلك بإبدال السين جيما لأن أصل الإسم إفرنك فقلبت الكاف سينا عند نفس الأمة ، ثم حرف في الترجمة في لسان المشرق وصار إفرنج وذلك الإشتهار كاف فيما كان لتلك الأمة من التقدم وحب الأسفار والتجارة ولا زالوا على ذلك إلى الآن ، لكنهم يؤثرون الإقامة في وطنهم عن الإقامة الدائمة بغيره ولهذا تراهم أقل أهالي أوروبا استيطانا في سائر الممالك ، إذ أمريكا التي هي ذات ثروة وأمن وقليلة السكان بالنسبة لاتساع الأرض يهاجر إليها سنويا من الإنكليز والألمان والطليان وغيرهم خلق كثير يتجاوز مئات الألوف ، وأقل القليل من المهاجرين هم الفرنساويون بل أن ذلك حاصل ولو في مستعمراتهم في الأقاليم إذ الجزائر الآن تحت سلطتهم نيفا وخمسين سنة ومع ذلك لا يوجد منهم فيها إلا نحو مائتي ألف أو ينقصون ، وإنما بلغوا ذلك العدد بعد استيلاء ألمانيا على الإلجاس واللورين فرغبت دولة فرنسا أهالي ذينك الإقليمين للإتحاد بها بأن تعطيهم جميع حاجتهم مع الأراضي الخصبة الوسيعة في الجزائر ، وحيث كان في ذينك الإقليمين كثير ممن لا يريد الإنفصال عن فرنسا إلى ألمانيا هاجروا إلى الجزائر ومكنتهم الدولة بأرزاق العرب الذين استأصلت أموالهم بدعوى الخروج عنها والعصيان عليها ، ومع هذا الترغيب فإنما كان عددهم ما أشير إليه لولوع القوم بوطنهم في السكنى وإن كانوا منتشرين في سائر الأقطار للتجارة والسياحة ، كما أنهم لهم ولوع زائد بالتفاخر بمدينة باريس التي يحق لها الفخر ويسر كل فرنساوي مدحها وإن لم يكن من أهلها ، وهذا الطبع وهو حب التفاخر وإن كان طبيعيا في البشر لكن بعض الأمم فيه أزيد من بعض كما هو في الأفراد ، فالفرنساويون ذوو فخر ونشاط إلى الأعمال وسرعة إلى تبدل الأراء والأفعال حتى أورث ذلك فيهم كثرة الإنقسامات في الأحزاب السياسية ، وقد ذكرت صحيفة «الديبا» مرة عدد أحزابهم في السياسة فإذا هي أربعة عشر حزبا ، أحد أطرافها حزب الإشتراكيين أي الذين يريدون أن يكون الناس كسائر الحيوانات السائمة مشتركين في جميع ما بأيديهم ولو النساء ولا يستأثر أحد عن أحد بشيء ، والطرف الثاني الإستعباد التام لشخص ملك يتصرف فيهم تصرفه في الأثاث والمتاع وما بين ذلك درجات أقواها الآن حزب الجمهورية المضبوطة على نحو ما تقدم في السياسة الداخلية ، ويليه حزب الملكية القانونية وإن كان في ذاته له عدة أقسام من أتباع عائلة بونابارتي واتباع عائلة أورليان أو البربون إلى غير ذلك ، ولا تغتر أيها المطالع بكثرة أولئك الأحزاب في ضعفهم مع من ناوأهم من الخارج فإنهم إذا رامهم أجنبي يكونون عليه يدا واحدة فإذا انفصلوا منه عادوا إلى الشقاق بينهم ، ولولا هذا الشقاق لزادوا قوة ونفوذا إذ طباعهم مهذبة ومعارفهم متزايدة وتجارتهم وفلاحتهم متقدمة للغاية حتى أقر لهم بذلك أضدادهم ، وهم