وحضرني حكاية جرت لشيخ الشيوخ مع «محيي الدّين» ، في هذه السّفرة ، وذلك أن شيخ الشيوخ كان قد وصل إلى السّلطان «الملك النّاصر» ، وهو محاصر للموصل ، ليصلح بينه وبين عزّ الدّين ، في المحاصرة الأولى ، فلم يتّفق الصلح ، واتّهم أهل الموصل شيخ الشّيوخ بالميل مع «الملك النّاصر» ، فعمل محيي الدّين فيه أبياتا منها :
بعثت رسولا أم بعثت محرّضا |
|
على القتل تستجلي القتال وتستحلي؟ |
وقال فيها مخاطبا للإمام النّاصر :
فلا تغترر منه بفضل تنمّس |
|
فما هكذا كان «الجنيد» ولا «الشّبلي»(١) |
فبلغت الأبيات شيخ الشيوخ.
فلما اجتمعا في هذه السفرة وتباسطا ، قال له شيخ الشيوخ : «كيف تلك الأبيات التي عملتها فيّ؟» فغالطه عنها ، فأقسم عليه بالله أن ينشده إيّاها ، فذكرها له ، حتى أنشده البيت الذي ذكرناه أوّلا ، فقال : «والله لقد ظلمتني ، وانني والله ، اجتهدت في الاصلاح فما اتّفق» فأنشده تمامها ، حتى بلغ إلى قوله : «فما هكذا كان الجنيد ولا الشّبلي» فقال : «والله لقد صدقت ، فما هكذا كان الجنيد ولا الشّبلي ، أدور على أبواب الملوك من باب هذا إلى باب هذا».
ثمّ إنّ الرّسل ساروا عن غير زبدة ، وتوجّه الملك العادل من حلب في ذي الحجّة ، وعيّد عند أخيه بدمشق ، ثم عاد إلى حلب.
__________________
(١) من أشهر أئمة الصوفية.