واختبط «بلد حلب» ، وتقدّم إلى مقدّمي البلدة بحفظ الأسوار ، والأبواب ، وجفل أهل «الحاضر» ، ومن كان خارج المدينة إلى المدينة ، بما قدروا على نقله من أمتعتهم ، وبقي في البلد الأميران : «شمس الدّين لؤلؤ» ، و «عزّ الدّين بن مجلّى» ، في جماعة ، لا تبلغ مائتي فارس يركبون ، ويخرجون إلى ظاهر المدينة ، يتعرّفون أخبارهم.
وبثّوا سراياهم ، في أعمال حلب يشنّون الغارة فيها ، فبلغت خيلهم إلى بلد «عزاز» ، و «تلّ باشر» ، و «برج الرّصاص» ، و «جبل سمعان» ، و «بلد الحوّار» ، و «طرف العمق» ، وجاؤوا أهل هذه النوحي على غفلة ، فلم يستطيعوا أن يهربوا بين أيديهم ، ومن أجفل منهم لحقوه ، فأخذوا من المواشي ، والأمتعة ، والحرم ، والصبيان ، ما لا يحدّ ولا يوصف ، وارتكبوا من الفاحشة مع حرم المسلمين ، ما لم يفعله أحد من الكفّار ، إلّا ما سمع عن القرامطة.
ثم رحلوا إلى «بزاعا» ، و «الباب» ، فعذّبوا أهل الموضعين ، واستقروهم على أموالهم التي أخفوها ، واستصفوها منهم. وقتلوا منهم جماعة ، ونهبوا ما كان فيها من المتاع والمواشي ؛ وكان بعضهم ، قد هرب إلى حلب ، وقت الوقعة ، بما خفّ معه من الحرم ، والمتاع ، فسلم.
ثم رحلوا إلى «منبج» ، وقد استعصم أهلها بالسّور ودرّبوا المواضع التي لا سور لها ، فهجموها بالسّيف ، في يوم الخميس الحادي والعشرين ، من شهر ربيع الآخر ، من سنة ثمان وثلاثين ، وقتلوا من أهلها خلقا كثيرا ،