فحينئذ راسل جوسلين الفرنجي أهل الرّها وعامّتهم من الأرمن ، وحملهم على العصيان وتسليم البلد ، فأجابوه إلى ذلك ، وواعدوهم يوما يصل إليهم فيه.
وسار إليها فملك البلد ، وامتنعت القلعة فقاتلها ، فبلغ الخبر إلى نور الدّين محمود بن زنكي ، وهو بحلب ، فسار إليها في عسكره ، فخرج جوسلين هاربا إلى بلده.
ودخلها نور الدّين فنهبها وسبى أهلها ، وخلت منهم ، فلم يبق بها منهم إلّا القليل (١).
وأرسل نور الدّين من سبيها جارية في جملة ما أهداه إلى زين الدّين علي كوچك ، نائب أبيه بالموصل ، فلمّا رآها دخل إليها ، وخرج من عندها وقد اغتسل ، وقال لمن عنده : «تعلمون ما جرى لي يومنا هذا؟» قالوا : «لا» ، قال : «لمّا فتحنا الرّها مع الشّهيد وقع بيدي من النّهب جارية رائقة أعجبني حسنها ومال قلبي إليها ، فلم يكن بأسرع من أن أمر الشّهيد فنودي بردّ السّبي المنهوب ، وكان مهيبا مخوفا ، فرددتها وقلبي متعلّق بها ، فلمّا كان الآن جاءتني هديّة نور الدّين وفيها عدّة جوار منهنّ تلك الجارية ، فوطئتها خوفا أن يقع مثل تلك الدّفعة».
وشرع نور الدّين ـ رحمهالله ـ في صرف همّته إلى الجهاد ، فدخل في
__________________
(١) أوفى التفاصيل حول هذه الواقعة عند المؤرخ السرياني المجهول. الموسوعة الشامية ص ٢٠١٥ ـ ٢٠٢١.