وأمّا تلّ باشر فإنّه تسلّمها منهم بعد فتحه دمشق ، لأنهم لما علموا أنّه فتح دمشق ، وأنّه يقصدهم ولا طاقة لهم به راسلوه ، وبذلوا له تسلميها إليه ، فسيّر إليهم الأمير حسّان صاحب منبج لقربها من منبج فتسلّمها منهم ، وحصّنها.
وكان فتحه دمشق في صفر سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، لأنّ الفرنج أخذوا عسقلان من المصريين في سنة ثمان وأربعين ، ولم يكن له طريق إلى إزعاجهم عنها لاعتراض دمشق بينه وبين عسقلان (١).
وطمع الفرنج في دمشق ، وجعلوا عليها قطيعة يأخذونها منهم في كلّ سنة ، فخاف نور الدّين أن يملكها الفرنج ، فاحتال في أخذها لعلمه أنّ أخذها بالقهر يصعب لأنّه متى نازلها راسل صاحبها الفرنج مستنجدا بهم ، وأعانوه خوفا من نور الدين أن يملكها فيقوى بها عليهم.
فراسل مجير الدين أبق بن محمد بن بوري صاحبها ، واستماله وهاداه ، وأظهر له المودّة ، حتى وثق به ، فكان يقول له في بعض الأوقات : «إنّ فلانا قد كاتبني في تسليم دمشق» ـ يعني بعض أمراء مجير الدّين ـ فكان يبعد ذلك عنه ، ويأخذ أقطاعه ، فلما لم يبق عنده أحد من الأمراء قدّم أميرا يقال له عطاء بن حفاظ الخادم ، وكان شجاعا وفوض إليه أمور دولته ، فكان نور الدّين لا يتمكّن من أخذ دمشق منه ، فقبض عليه مجير الدّين وقتله.
__________________
(١) انظر وليم الصوري ص ٨٠٨ ـ ٨١٤.