ولا أقل من أن يتمكن يهود بني النضير من الاحتفاظ بمواقعهم ، وبأرضهم وديارهم ، حين يجد المسلمون : أن مواصلة التحدي لهم لن تجدي نفعا ، ما داموا قادرين على الاحتماء بحصونهم ، والدفاع عنها مدة طويلة ، فيتراجعون عن حربهم ، ويتركونهم وشأنهم ، من أجل التفرغ إلى ما هو أهم ، وأولى.
وإذا كانت قضية بني النضير قد حصلت بعد وقعة أحد ـ وإن كنا لم نرتض ذلك ـ فلا بد أن يكون اليهود قد فكروا : أن محمدا «صلىاللهعليهوآله» وأصحابه قد أصبحوا الآن في موقف الضعف والتراجع. ولعل في تسويف الوقت معهم ، في الوقت الذي يحس فيه المسلمون بالفشل وبالكارثة ، نتيجة لما نزل بهم في أحد ، لسوف يجعلهم يفكرون في انتهاج سبيل السلامة ، والانسحاب من موقع التحدي إلى موقع المساومة ، ومن سبيل الحرب إلى سبيل السلم ، وتوفير الأمن ، ومراعاة جانب هؤلاء وأولئك ، وعدم إثارة العداوات الكبيرة داخل بلادهم ، وفي قلب مواضعهم ومواقعهم.
وأما إذا كانت قضية بني النضير قد حصلت قبل ذلك ، وبعد ستة أشهر من حرب بدر ، حسبما قويناه ، استنادا إلى العديد من الدلائل والشواهد :
فلعل يهود بني النضير قد فكروا : أن المسلمين لسوف لا يفرطون بهذا النصر الكبير الذي حققوه ، ولعلهم على استعداد لمداراة هؤلاء وأولئك في سبيل الحفاظ على صلابة الموقف وثباته ، ولسوف لا يقدمون على أي عمل من شأنه إحداث خلخلة في بنية مجتمعهم. ولعل اليهود يعتقدون : أن حرب بدر كانت أمرا اتفاقيا صنعته الصدفة ، والحظ السيء للمشركين ، وليس نتيجة قدرات حقيقية كانت لدى المسلمين. وإذا فليس ثمة ما