من ثم ـ هي الغاية ، وهي النهاية ، وهي كل شيء بالنسبة إلى هذا النوع من الناس ، فإذا فقدها ، فلا شيء له بعد ذلك على الإطلاق. ويصبح شخصه كفرد هو المعيار والميزان للصلاح والفساد ، وللحسن والقبيح ، وللواجب والحرام. فهو لا يمارس شيئا ولا يرتبط بشيء إلا بمقدار ما يجر إليه نفعا ، أو يدفع عنه شرا وضرا. وتفقد الحياة الاجتماعية معناها ومغزاها ، إلا في الحدود التي تخدم وجود الفرد ، ومصالحه ،. فهو مع الناس ، وإنما لأجل نفسه ، وهو وحده لا شريك له ، وكل ما في الوجود يجب أن يكون من أجله وفي خدمته. ويجب أن يضحى بكل غال ونفيس في سبيله ، فهو القيمة لكل شيء ، وليس لأي شيء آخر أية قيمة تذكر.
وعلى هذا ، فإن جميع القيم تسقط ، ويبقى هو. فلا معنى للتضحية إلا إذا كانت من الآخرين من أجله ، ولا معنى للإيثار إلا إيثار الآخرين له على أنفسهم. ولا معنى للشهادة في سبيل الله إلا إذا نالت الآخرين دونه ، ولا معنى للحق وللباطل ، وللغدر والوفاء ، وللصدق والكذب و.. و.. الخ .. إلا من خلال ما يجلب له نفعا ، أو يدفع عنه ضرا وشرا.
وإذا كان مع الجماعة فإنه لا يشاركهم في شيء ، ولا يهمه من أمرهم شيء ، بل هو يريد منهم أن يدفعوا عنه ، ويموتوا من أجله وفي سبيله.
وهذا بالذات ما يفسر لنا قوله تعالى : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) (١).
نعم .. إن قلوبهم (شتى) بكل ما لهذه الكلمة من معنى لأنهم لا
__________________
(١) الآية ١٤ من سورة الحشر.