العلاء بمن معه حتى نزل بحصن يقال له جواثى ، وكان مخارق قد نزل بمن معه من بكر بن وائل المشقر ، فسار إليهم العلاء فيمن اجتمع إليه من المسلمين ، فقاتلهم قتالا شديدا ، حتى كثرت القتلى وأكثرها فى أهل الردة ، والجارود بالخط يبعث البعوث إلى العلاء ، وبعث مخارق الخطم بن شريح ، أحد بنى قيس بن ثعلبة إلى مرزبان الخط يستمده ، فأمده بالأساورة ، فنزل الخطم ردم الفلاح ، وكان حلف أن لا يشرب الخمر حتى يرى هجر ، فقالوا له : هذه هجر ، وأخذ المرزبان الجارود رهينة عنده ، وقال عبد الرحمن بن أبى بكرة : أخذ الخطم الجارود ، فشده فى الحديد ، وسار الخطم وأبجر بن العجلى فيمن معهما حتى حصروا العلاء بن الحضرمى بجواثى. فقال عبد الله بن حذف أحد بنى عامر بن صعصعة :
ألا أبلغ أبا بكر رسولا |
|
وسكان المدينة أجمعينا |
فهل لكم إلى نفر يسير |
|
مقيم فى جواثى محصرينا |
كأن دماءهم فى كل شمس |
|
شعاع الشمس يغشين العيونا |
توكلنا على الرحمن إنا |
|
وجدنا النصر للمتوكلينا (١) |
فمكثوا على ذلك محصورين ، فسمع العلاء وأصحابه ذات ليلة لغطا فى عسكر المشركين ، فقالوا : والله لوددنا أن لو علمنا أمرهم ، فقال عبد الله بن حذف : أنا أعلم لكم علمهم ، فدلونى بحبل ، فدلوه ، فأقبل حتى يدخل على أبجر بن جابر العجلى ، وأم عبد الله امرأة من بنى عدل ، فلما رآه أبجر ، قال : ما جاء بك ، لا أنعم الله بك علينا؟ قال : يا خالى ، الضرر والجوع وشدة الحصار ، وأردت اللحاق بأهلى ، فزودنى. قال أبجر : أفعل ، على أنى أظنك والله على غير ذلك ، بئس ابن الأخت سائر الليلة ، فزوده وأعطاه نعلين ، وأخرجه من العسكر ، وخرج معه حتى برزا ، فقال له : انطلق ، فإنى والله لأراك بئس ابن الأخت أنت هذه الليلة ، فمض ابن حذف كأنه لا يريد الحصن ، حتى أبعد ، ثم عطف فأخذ بالحبل ، فصعد الحصن ، فقالوا : ما وراءك؟ قال : ورائى والله أنى تركتهم سكارى لا يعقلون ، قد نزل بهم تجار من تجار الخمر ، فاشتروا منهم ثم وقعوا فيها ، فإن كانت لكم حاجة بهم فالليلة ، فنزل إليهم المسلمون ، فبيتوهم ، ووضعوا فيهم سلاحهم حيث شاءوا(٢).
وقال إسحاق بن يحيى بن طلحة فى حديثه : كان العلاء فى ثلاثمائة وستة وعشرين
__________________
(١) انظر الأبيات فى : البداية والنهاية (٦ / ٣٢١).
(٢) راجع ما ذكره ابن كثير فى البداية (٦ / ٣٢٠ ـ ٣٢٣).