وذكر الواقدى بإسناد له : أن المقوقس أرسل إلى حاطب ليلة وليس عنده أحد إلا ترجمان له يترجم بالعربية ، فقال له : ألا تخبرنى عن أمور أسألك عنها وتصدقنى؟ فإنى أعلم أن صاحبك قد تخيرك من بين أصحابه حيث بعثك ، فقال له حاطب : لا تسألنى عن شيء إلا صدقتك ، فسأله عن : ما ذا يدعو إليه النبيّ صلىاللهعليهوسلم ومن أتباعه ، وهل يقاتل قومه؟ فأجابه حاطب عن ذلك كله ، ثم سأله عن صفته ، فوصفه حاطب ولم يستوف ، فقال له : بقيت أشياء لم أرك تذكرها ، فى عينيه حمرة ، قل ما تفارقه ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، ويركب الحمار ، ويلبس الشملة ، ويجتزى بالتمرات والكسرة ، ولا يبالى من لاقى من عم وابن عم.
قال حاطب : فهذه صفته. قال : كنت أعلم أنه بقى نبى ، وكنت أظن أن مخرجه ومنبته بالشام ، وهناك تخرج الأنبياء من قبله ، فأراه قد خرج فى العرب فى أرض جهد وبؤس ، والقبط لا يطاوعونى فى اتباعه ، ولا أحب أن تعلم بمحاورتى إياك ، وأنا أضن بملكى أن أفارقه ، وسيظهر على البلاد ، وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده حتى يظهر على ما هاهنا ، فارجع إلى صاحبك ، فقد أمرت له بهدايا وجاريتين أختين فارهتين ، وبغلة من مراكبى ، وألف مثقال ذهبا ، وعشرين ثوبا من لين ، وغير ذلك ، وأمرت لك بمائة دينار وخمسة أثواب. فارحل من عندى ولا تسمع منك القبط حرفا واحدا.
فرجعت من عنده وقد كان لى مكرما فى الضيافة ، وقلة اللبث ببابه ، ما أقمت عنده إلا خمسة أيام ، وإن الوفود ، وفود العجم ببابه منذ شهر وأكثر. قال حاطب : فذكرت قوله لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «ضن الخبيث بملكه ، ولا بقاء لملكه».
ذكر كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى
المنذر بن ساوى العبدى مع العلاء
بن الحضرمى بعد انصرافه من الحديبية (١)
ذكر الواقدى بإسناد له عن عكرمة قال : وجدت هذا الكتاب فى كتب ابن عباس بعد موته ، فنسخته ، فإذا فيه : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم العلاء بن الحضرمى ، إلى المنذر بن
__________________
(١) راجع : تاريخ الطبرى (٣ / ٦٤٥) ، الروض الأنف للسهيلى (٤ / ٢٥٠) ، المصباح المضيء (٢ / ٣٣٥ ، ٣٣٨) ، تاريخ اليعقوبى (٢ / ٧٨).