ونزلت نفوسة مدينة صبرة ، وجلا من كان فيها من الروم من أجل ذلك ، وأقام الأفارق وكانوا خدما للروم على صلح يؤدونه إلى من غلب على بلادهم ، وهم بنو أفارق بن قيصر بن حام.
فسار عمرو بن العاص فى الخيل حتى قدم برقة ، فصالح أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار يؤدونها إليه جزية ، على أن يبيعوا من أبنائهم فى جزيتهم ، ولم يكن يدخل برقة يومئذ جابى خراج ، وإنما كانوا يبعثون بالجزية إذا جاء وقتها.
ووجه عمرو بن العاص عقبة بن نافع حتى بلغ زويلة. قال الطبرى : فافتتحها بصلح ، وصار ما بين برقة وزويلة سلما للمسلمين. وقال أبو العالية الحضرمى : سمعت عمرو بن العاص على المنبر يقول : لأهل أنطابلس عهد يوفى لهم به.
فتح أطرابلس
قال ابن عبد الحكم (١) : ثم سار عمرو حتى نزل أطرابلس فى سنة اثنتين وعشرين ، فنزل القبة التي على الشرف من شرقيها ، فحاصرها شهرا لا يقدر منهم على شيء ، فخرج رجل من بنى مدلج ذات يوم من عسكر عمرو متصيدا فى سبعة نفر ، فمضوا غربى المدينة حتى أمنعوا عن العسكر ، ثم رجعوا فأصابهم الحر ، فأخذوا على ضفة البحر ، وكان البحر لاصقا بسور المدينة ، ولم يكن فيما بين المدينة والبحر سور ، وكانت سفن الروم شارعة فى مرساها إلى بيوتهم ، فنظر المدلجى وأصحابه ، فإذا البحر قد غاض من ناحية المدينة ، ووجدوا مسلكا إليها من الموضع الذي حسر عنه البحر ، فدخلوا منه حتى أتوا من ناحية الكنيسة وكبروا ، فلم يكن للروم مفزع إلا سفنهم ، وأبصر عمرو وأصحابه السلمة فى جوف المدينة ، فأقبل بجيشه حتى دخل عليهم ، فلم يفلت الروم إلا بما خف لهم من مراكبهم ، وغنم عمرو ما كان فى المدينة.
وكان من بصبرة متحصنين ، وهى المدينة العظمى وسوقها السوق القديم ، فلما بلغهم محاصرة عمرو مدينة أطرابلس ، وأنه لم يصنع فيهم شيئا ولا طاقة له بهم أمنوا.
فلما ظفر عمرو بمدينة أطرابلس جرد خيلا كثيفة من ليلته ، وأمرهم بسرعة السير ، فصبحت خيله مدينة صبرة وهم غافلون وقد فتحوا أبوابها لتسرح ماشيتهم ، فدخلوها فلم ينج منهم أحد ، واحتوى أصحاب عمرو على ما فيها ورجعوا إلى عمرو.
__________________
(١) انظر : فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم (ص ١٧١ ـ ١٧٣).