ولم تزل سلمى مغاضبة لسعد عشية أرماث ، وليلة السواد ، حتى إذا أصبحت أتته فصالحته وأخبرته خبرها وخبر أبى محجن ، فدعا به فأطلقته ، وقال : اذهب فما أنا بمؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله ، قال : لا جرم ، والله لا أجيب لسانى إلى صفة قبيح أبدا.
حديث يوم عماس ، وهو اليوم الثالث من أيام القادسية
قالوا (١) : وأصبح المسلمون من اليوم الثالث ، وهم على مواقفهم ، وأصبحت الأعاجم كذلك ، وبين هؤلاء وهؤلاء قدر ميل فى عرض ما بين الصفين ، وقد قتل من المسلمين ألفان بين رثيث وميت ، ومن المشركين عشرة آلاف. وقال سعد : من شاء غسل الشهيد الميت والرثيث ، ومن شاء فليدفنهم بدمائهم ، وجعلهم المسلمون وراء ظهورهم ، وأقبل الذين يحملونهم إلى القبور ، يتبعون القتلى ويبلغون الرثيث إلى النساء ، وكان النساء والصبيان يحفرون المقابر فى اليومين : يوم أرماث ويوم أغواث ، بعدوتى مشرق ، وكان فى الطريق أصل نخلة بين القادسية والعذيب ، ليس بينهما يومئذ نخلة غيرها ، فكان الرثيث إذا انتهى بهم إليها وأحدهم يعقل سألهم أن يقفوا به تحتها يستروح إلى ظلها ، فمر حاجب بن يزيد ، وكان على الشهداء بتلك النخلة مع بعض الشهداء بتلك النخلة مع بعض الشهداء وولاتهم ، ورجل من الجرحى من طيئ يدعى يقول وهو مستظل بظلها :
ألا يا اسلمى يا نخلة بين قادس |
|
وبين العذيب لا يجاورك النخل |
وآخر من بنى ضبة أو من بنى ثور يدعى غيلان ، وهو يقول :
ألا يا اسلمى يا نخلة فوق جرعة |
|
يجاورك الجمان والرمث والرغل |
قالوا (٢) : وبات القعقاع ليلته كلها يسرب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه بالأمس ، ثم قال : إذا طلعت لكم الشمس ، فأقبلوا مائة مائة ، وكلما توارت عنكم مائة فليتبعها مائة ، فإن جاء هاشم فذاك وإلا جددتم للناس رجاء وجدا ، ففعلوا ، ولا يشعر بذلك أحد ، وكان مكانهم مما صنع الله للمسلمين ، فلما ذر قرن الشمس والقعقاع يلاحظ الخيل ، طلعت نواصيها ، فكبر وكبر الناس ، وقالوا : جاء المدد.
__________________
(١) انظر : الطبرى (٣ / ٥٥٠).
(٢) انظر : الطبرى (٣ / ٥٥١ ، ٥٥٢).