ولما اطمأن خالد بالأنبار والمسلمون ، وأمن أهل الأنبار وظهروا ، رآهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها ، فسألهم : ما أنتم؟ فقالوا : قوم من العرب ، نزلنا إلى قوم من العرب كانت أوائلهم نزلوا أيام بختنصر حين أباح العرب ، فلم نزل عنها. فقال : ممن تعلمتم الكتابة؟ فقالوا : تعلمنا الخط من إياد ، وأنشدوا قول الشاعر :
قوم إياد لو أنهم أمم |
|
أو لو أقاموا فتهزل النعم |
قوم لهم باحة العراق إذا |
|
ساروا جميعا والخط والقلم |
(١) فصالح خالد من حولهم ، وبدأ بأهل البوازيج ، فبعث إليه أهل كلواذة (٢) ليعقد لهم ، وكاتبهم عيبته من وراء دجلة.
ثم إن الأنبار وما حولها نقضوا فيما كان يكون بين المسلمين والمشركين الدول ما خلا أهل البوازيج فإنهم ثبتوا كما ثبت أهل بانقيا.
حديث عين التمر (٣)
ولما فرغ خالد من الأنبار ، واستحكمت له ، استخلف عليها الزبرقان بن بدر ، وقصد لعين التمر ، وبها يومئذ مهران بن سوسن فى جمع عظيم من العجم ، وعقة بن أبى عقة فى جمع عظيم من العرب من النمر وتغلب وإياد ومن لاقاهم. فلما سمعوا بخالد قال عقة لمهران : إن العرب أعلم بقتال العرب ، فدعنا وخالدا. قال : صدقت ، لعمرى لأنتم أعلم بقتال العرب ، وإنكم لمثلنا فى قتال العجم. فخدعه واتقى به ، وقال : دونكموهم وإن احتجتم إلينا جئناكم.
فلما مضى عقة نحو خالد قالت الأعاجم لمهران : ما حملك على أن تقول هذا القول لهذا الكلب فقال : دعونى فإنى لم أرد إلا ما هو خير لكم وشر له ، إنه قد جاءكم من قتل ملوككم ، وفل حدكم ، ما اتقيته بهم ، فإن كانت لهم على خالد فهى لكم ، وإن كانت الأخرى لم يبلغوا منهم حتى يهنوا فنقاتلهم ونحن أقوياء وهم ضعفاء ، فاعترفوا له بفضل الرأى ، فلزم مهران العين ونزل عقة لخالد على الطريق ، وبينه وبين مهران روحة أو غدوة ، فقدم عليه خالد وهو فى تعبئة جنده ، فعبأ خالد جنده وقال لمجنبتيه : اكفونا ما
__________________
(١) انظر الأبيات فى : الطبرى (٣ / ٣٧٥) ، البداية والنهاية لابن كثير (٦ / ٣٤٩).
(٢) كلواذة : موضع بين الكوفة وواسط. انظر معجم البلدان (٤ / ٤٧٧).
(٣) انظر : الطبرى (٣ / ٣٧٦ ، ٣٧٧) ، الأخبار الطوال للدينورى (ص ١١٢) ، الكامل لابن الأثير (٢ / ٢٦٩ ، ٢٧٠) ، البداية والنهاية لابن كثير (٦ / ٣٤٩ ، ٣٥٠).