إلا أن يدعو قوما بعد ما يغلبهم على أرضهم ويجليهم عنها إلى الجزاء والذمة فيرد عليهم أرضهم فيصيروا ذمة ما لم تقتسم ، وبذلك جرت السنة.
وأمر خالد على الجزاء سويد بن مقرن المزنى ، وأمره بنزول الحفير ، وأمره ببث عماله ، ووضع يديه فى الجباية ، وأقام لعدوه يتحسس الأخبار.
وقال عاصم بن عمرو فى ذلك من أبيات :
فلم أر مثل يوم السيب حتى |
|
رأيت الثنى تخضبه الدماء |
وألوت خيلنا لما التقينا |
|
بقارن والأمور لها انتهاء |
حديث الولجة (١) وهى مما يلى كسكر من البر
وكانت فى صفر سنة اثنتى عشرة.
قالوا : لما وقع الخبر إلى أردشير بمصاب قارن وأهل المذار ، أرسل الأنذرزعر ، وكان فارسيا من مولدى السواد وتنائهم ؛ ولم يكن ممن ولد فى المدائن ولا نشأ بها ، وأرسل بهمن جاذويه فى أثره ، وكان رافد فارس فى يوم من أيام شهرهم ، وذلك أنهم بنوا شهورهم كل شهر على ثلاثين يوما ؛ فكان لأهل فارس فى كل يوم رافد نصب لذلك يرفدهم عند الملك ؛ فكان بهمن أحدهم ، فخرج الأنذرزعر سائرا من المدائن حتى أتى كسكر (٢) ، ثم جازها إلى الوالجة (٣) ، وخرج بهمن جاذويه فى أثره ، فأخذ غير طريقه فسلك أوسط السواد ، وقد حشد الأنذرزعر من بين الحيرة وكسكر من عرب الضاحية والدهاقين فعسكروا إلى جنب عسكره بالولجة ؛ فلما اجتمع له ما أراد واستتم له أعجبه ما هو فيه ، وأجمع السير إلى خالد.
ولما بلغ خالدا خبره ونزوله الولجة ، نادى بالرحيل ، وخلف سويد بن مقرن ، وأمره بلزوم الحفير ، وتقدم إلى من خلف بأسفل دجلة ، وأمرهم بالحذر وقلة الغفلة ، وترك
__________________
(١) انظر : الطبرى (٣ / ٣٥٣ ، ٣٥٤) ، الكامل لابن الأثير (٢٦٣ ، ٢٦٤) ، البداية والنهاية لابن كثير (٦ / ٣٤٥) ، نهاية الأرب للنويرى (١٩ / ١٠٩).
(٢) كسكر : أى عامل الزرع ، وهو بلد بالعراق بين الكوفة والبصرة. انظر : معجم البلدان (٤ / ٤٦١).
(٣) الولجة والوالج : موضع يلى كسكر من البر. انظر : تاريخ الرسل والملوك للطبرى (٣ / ٣٥٣) ، معجم البلدان (٥ / ٣٨٣).