أزوادكم ، فسمع القوم يهمس بعضهم إلى بعض أن القوم سراع الآن فى طلبنا ، فقال : تناجوا بالبر والتقوى ولا تتناجوا بالإثم والعدوان ، قبح الله من يتناجون به ، انظروا فى الأمور وقدروها ثم تكلموا ، تحسبونهم الآن فى طلبكم ، فو الله لو كان الصريخ قد بلغهم الآن إنه لكبير ، ولو كان الصريخ عندهم لبلغهم من رعب غارتنا عليهم إلى جنب مدائنهم ما يشغلهم عن طلبنا حتى نلحق معسكرنا وجماعتنا ، إن للغارات روعات تنتشر عليها يوما إلى الليل ، ولو كان بهم من القوة ما يحملهم على طلبنا ثم جهدوا وجهدهم ما أدركونا ، نحن على الجياد العراب وهم على المقارف البطاء ، ولو أنهم طلبونا فأدركونا لم نقاتلهم إلا التماس الثواب ورجاء النصر ، فثقوا بالله وأحسنوا به الظن ، فقد نصركم الله عليهم وهم أكثر منكم وأعز ، وسأخبركم عنى وعن انكماشى والذي أريد من ذلك ، إن خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أبا بكر أوصانا أن نقل العرجة ونسرع الكرة فى الغارات ، ونسرع فى غير ذلك الأوبة ، فأقبلوا ومعهم دليلهم حتى انتهوا إلى الأنبار ، فاستقبلهم صاحبها بالكرامة ، فوعده المثنى بالإحسان إليه لو استقام أمرهم ، ورجع المثنى إلى عسكره.
حديث السرايا من الأنبار (١)
قالوا : لما رجع المثنى من بغداد إلى الأنبار ، سرح المضارب العجلى وزيدا إلى الكباث ، ثم خرج فى أثرهم ، فقدم الرجلان الكباث ، وقد ارفض عنه أهله وأخلوه ، وكانوا كلهم من بنى تغلب ، وكان عليهم فارس العناب التغلبى يحميهم ، فركب المسلمون آثارهم يتبعونهم ، فأدركوا أخرياتهم ، فحماهم فارس العناب ساعة ثم هرب ، وقتلوا فى أخرياتهم فأكثروا ، ورجع المثنى إلى عسكره بالأنبار ، فسرح فرات بن حيان ، وكان خلفه فى عسكره ، وسرح معه عتبة بن النهاس ، وأمرهما بالغارة على أحياء من تغلب والنمر بصفين ، ثم اتبعهما وخلف على الناس عمرو بن أبى سلمى الهجيمى.
فلما دنوا من صفين ، فر أهلها فعبروا الفرات إلى الجزيرة وتحصنوا ، وفارق المثنى فراتا وعتبة ، فأرمل المثنى وأصحابه من الزاد ، حتى نحروا رحلهم إلا ما لا بد لهم منه فأكلوها حتى أخفافها وعظامها وجلودها ، ثم أدركوا عيرا من أهل دياف وحوران ، فقتلوا العلوج وأصابوا ثلاثة نفر من بنى تغلب خفراء ، فأخذوا العير ، وكان ظهرا فاضلا ، وقال
__________________
(١) انظر : الطبرى (٣ / ٤٧٥ ، ٤٧٦) ، الكامل لابن الأثير (٢ / ٣٠٧) ، نهاية الأرب للنويرى (١٩ / ١٨٨ ، ١٨٩).