وأرسل بالكتاب إليهم مع فيج ، نصرانى على دينهم ، وقال له : عجل علىّ ، فإنى إنما أنتظرك ، فلما قدم عليهم قالوا له : ويحك ، ما وراءك؟ قال : لا أدرى إلا أن هذا الرجل بعثنى إليكم بهذا الكتاب ، وقد وجه عسكره نحوكم ، وقال لى : ما يمنعنى من المسير إليهم إلا انتظار رجوعك ، فقالوا : انتظرنا ساعة من النهار ، فإنا ننتظر عينا لنا يقدم علينا من قبل أمير العرب الذي بدمشق ، ومن قبل جند الملك الذي أقبل إلينا ، فننظر ما يأتينا به ، فإن ظننا أن لنا بالعرب قوة لم نصالحهم ، وإن خشينا ألا نقوى عليهم صنعنا ما صنع أهل الأردن وغيرهم ، فما نحن إلا كغيرنا من أهل الشام ، فأقام العلج حتى أمسى ، ثم إن رسول أهل إيلياء الذي بعثوه عينا لهم أتاهم فأخبرهم أن باهان قد أقبل من عند ملك الروم فى ثلاثة عساكر ، فى كل عسكر منها أكثر من مائة ألف مقاتل ، وأن العرب لما بلغهم ما سار إليهم من تلك الجموع علموا أنه لا قبل لهم بما جاءهم ، فانصرفوا راجعين ، وقد كان أوائل العرب دخلوا أرض قنسرين (١) فأخرجوهم منها ، ثم أتوا أرض دمشق فأخرجوهم منها ، ثم أقبلت العرب الآن نحو الأردن ، نحو صاحبهم هذا الذي كتب إليكم ، والروم يسوقونهم سوقا عنيفا ، فتباشروا بذلك وسروا به ، ودعوا العلج الذي بعث به إليهم عمرو بن العاص ، وقالوا : اذهب بكتابنا هذا إلى صاحبك ، وكتبوا معه : أما بعد ، فإنك كتبت إلينا تزكى نفسك وتعيبنا ، وقول الباطل لا ينفع قائله نفسه ولا يضر عدوه ، وقد فهمنا ما دعوتنا إليه ، وهؤلاء ملوكنا وأهل ديننا قد جاؤكم ، فإن أظهرهم الله عليكم فذلك بلاؤه عندنا فى القديم ، وإن ابتلانا بظهوركم ، فلعمرى لنقرن ، لكم بالصغار ، وما نحن إلا كمن ظهرتم عليه من إخواننا ، ثم دانوا لكم وأعطوكم ما سألتم.
فقدم الرسول بهذا الكتاب على عمرو ، فقال له : ما حبسك؟ فأخبره الخبر ، فلم يكن إلا يومه ذلك حتى قدم خالد بن الوليد فى مقدمة أبى عبيدة ، فجاء حتى نزل اليرموك ، وأقبل عمرو حتى نزل معه.
وقعة اليرموك (٢) على نحو ما حكاه أصحاب كتب فتوح الشام
قالوا (٣) : ولما اجتمع جمع المسلمين باليرموك استشار أبو عبيدة أهل الرأى من
__________________
(١) قنسرين : مدينة بالشام ، وهى الجابية ، بينها وبين حلب اثنا عشر ميلا. انظر : الروض المعطار (٤٧٣).
(٢) راجع : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ١١٨ ـ ١٢٣) ، تاريخ الطبرى (٣ / ٣٩٦).
(٣) انظر : تاريخ فتوح الشام (١٦٩ ـ ١٧١).