ذكر مصيبة الأولين والآخرين من المسلمين
بوفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى آله أجمعين
ولما قفل رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حجة الوداع أقام بالمدينة بقية ذى الحجة والمحرم وصفرا ، وضرب على الناس بعثا إلى الشام ، وهو البعث الذي أمر عليه أسامة بن زيد ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس ، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون ، وكان آخر بعث بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فبينا الناس على ذلك ابتدئ صلوات الله عليه بشكواه الذي قبضه الله فيه إلى ما أراد من رحمته وكرامته فى ليال بقين من صفر أو فى أول شهر ربيع الأول ، فكان أول ما ابتدئ به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما ذكر أنه خرج إلى بقيع الغرقد من جوف الليل ، فاستغفر لهم ، ثم رجع إلى أهله ، فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك.
حدث أبو مويهبة مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : بعثنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من جوف الليل فقال : «يا أبا مويهبة ، إنى قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معى» ، فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم قال : «السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنأ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى» ؛ ثم أقبل على فقال : «يا أبا مويهبة ، إنى قد أوتيت مفاتح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة ، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة» ، فقلت : بأبى أنت وأمى فخذ مفاتح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة ؛ قال : «لا والله يا أبا مويهبة ، لقد اخترت لقاء ربى والجنة». ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف ، فبدأ به وجعه الذي قبضه الله فيه (١).
وقالت عائشة رضياللهعنها : رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من البقيع ، فوجدنى وأنا أجد صداعا فى رأسى ، وأنا أقول : وا رأساه ، فقال : «بل أنا والله يا عائشة ، وا رأساه». قالت : ثم قال : «وما ضرك لو مت قبلى ، فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك؟» فقلت : والله لكأنى بك لو قد فعلت ذلك لرجعت إلى بيتى فأعرست فيه ببعض نسائك ، فتبسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتتام به وجعه وهو يدور على نسائه ، حتى استعز به وهو فى بيت ميمونة ، فدعا نساءه فاستأذنهن فى أن يمرض فى بيتى ، فأذن له (٢).
__________________
(١) انظر الحديث فى : مستدرك الحاكم (٣ / ٥٥ ، ٥٦) ، دلائل النبوة للبيهقى (٧ / ١٦٢ ، ١٦٣) ، سنن الدارمى (١ / ٧٨).
(٢) انظر الحديث فى : صحيح البخاري (١٠ / ٥٦٦٦) ، مسند الإمام أحمد (٦ / ٢٢٨).