فتح الرى (١)
وخرج نعيم بن مقرن إلى الرى فلقيه أبو الفرخان مسالما ، ومخلفا بالرى يومئذ سياوخش بن مهران بن بهرام ، وكان سياوخش قد استمد أهل دنباوند وطبرستان وقرمس وجرجان ، وقال : قد علمتم أن هؤلاء إن حلوا بالرى ، إنه لا مقام لكم ، فاحتشدوا له ، فناهد بهم المسلمين ، فالتقوا بسفح جبل الرى الذي إلى جانب مدينتها فاقتتلوا به.
وقد كان أبو الفرخان قال لنعيم : إن القوم كثير وأنتم فى قلة ، فابعث معى خيلا أدخل مدينتهم من مدخل لا يشعرون به ، وناهدهم أنت ، فإنهم إذا خرجوا عليهم لم يثبتوا لك. فبعث معه نعيم من الليل خيلا عليها ابن أخيه المنذر بن عمرو ، فأدخلهم المدينة ، ولا يشعر القوم ، وبيتهم نعيم بياتا فشغلهم عن مدينتهم ، فاقتتلوا وصبروا حتى سمعوا التكبير من ورائهم ، فانهزموا ، فقتلوا مقتلة عدوا فيها بالقصب ، وأفاء الله على المسلمين بالرى نحوا من فيء المدائن ، وصالح أبو الفرخان نعيما على أهل الرى ، فلم يزل بعد شرف الرى فى آله ، وسقط آل بهرام ، وأخرب نعيم مدينة الرى ، وهى التي يقال لها العتيقة ، وأمر أبا الفرخان فبنى مدينة الرى الحدثاء ، وكتب لهم نعيم كتابا أعطاهم فيه الأمان لهم ولمن كان معهم من غيرهم ، على أن على كل حالم من الجزية طاقته فى كل سنة ، وعلى أن ينصحوا ولا يغلوا ولا يسلوا ، ويدلوا المسلم ويقروه يوما وليلة ، ويفخموه ، فمن سب مسلما أو استخف به نهك عقوبة ، ومن ضربه قتل ، ومن بدل منهم فلم يسلم برمته فقد غير جماعته.
وراسل عند ذلك نعيما مردانشاه مصمعان نهاوند فى الصلح على شيء يفتدى به من غير أن يسأله النصر والمعونة ، ففعل ذلك نعيم ، وكتب له به ولأهل موضعه كتابا على أن يتقى من ولى الفرج بمائتى ألف درهم فى كل سنة.
وقال أبو بجيد فى يوم الرى :
ألا هل أتاها أن بالرى معشرا |
|
شفوا سقما لما استجاشوا وقتلوا |
لها موطنان عاينوا الهلك فيهما |
|
بأيد طوال لم يخنهن مفصل |
وخيل تعادى لا هوادة عندها |
|
وزاد وكمت تمتطى ومحجل |
__________________
(١) انظر الخبر فى : الطبرى (٤ / ١٥٠ ، ١٥١) ، البداية والنهاية لابن كثير (٧ / ١٢١ ، ١٢٢) ، نهاية الأرب للنويرى (١٩ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥).