واصطنع عندهم ، وأقبل يزيد حتى نزل دمشق ، فلم يلبث إلا سنة حتى هلك رضياللهعنه ، وذلك فى سنة تسع عشرة ، والشام كله مستقيم أمره ، ليس به عدو للمسلمين.
وكان يزيد رحمهالله ، شريفا فاضلا حليما عاقلا رقيقا ، حسن السيرة ، محببا فى المسلمين ، ولما ثقل رحمهالله وأشرف على الموت استخلف أخاه معاوية على الشام ، وكتب إلى عمر ، رضياللهعنه : أما بعد ، فإنى كتبت إليك كتابى هذا وإنى أظن أنى فى أول يوم من الآخرة ، وآخر يوم من الدنيا ، فجزاك الله عنا ، وعن جميع المسلمين خيرا ، وجعل جناته لنا ولك مآبا ومصيرا ، فابعث إلى عملك بالشام من أحببت ، فأما أنا فقد استخلفت عليهم معاوية بن أبى سفيان.
فلما أتى عمر كتابه مع خبر موته ، جزع عليه جزعا شديدا ، وكتب إلى معاوية بولايته على الشام ، ويقال : إنه لما ورد البريد بموت يزيد على عمر كان أبوه أبو سفيان عنده ، فقال له عمر لما قرأ الكتاب بموت يزيد : أحسن الله عزاءك فى يزيد ، ورحمه ، فقال له أبو سفيان : من وليت مكانه يا أمير المؤمنين؟ قال : أخاه معاوية ، قال : وصلتك رحم يا أمير المؤمنين.
فأقام معاوية على الشام أربع سنين ، بقية خلافة عمر ، ثم أقره عليها عثمان اثنتى عشرة سنة ، مدة خلافته ، ثم كان منه بعد وفاة عثمان رضياللهعنه ، ما هو معلوم (١).
ذكر فتح مصر(٢)
ذكر ابن عبد الحكم (٣) عمن سمى من شيوخه أنه لما قدم عمر ، رضياللهعنه ، الجابية (٤) خلا به عمرو بن العاص ، فاستأذنه فى المسير إلى مصر ، وكان عمرو قد دخلها فى الجاهلية وعرف طرقها ورأى كثرة من فيها.
وكان سبب دخوله إياها أنه كان قدم بيت المقدس لتجارة فى نفر من قريش ، وكانت رعية إبلهم نوبا بينهم ، فبينا عمرو يرعاها فى نوبته إذ مر به شماس من شمامسة
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام (٢٧٦ ـ ٢٨٣).
(٢) انظر : تاريخ الطبرى (٤ / ١٠٤ ـ ١١٢) ، البداية والنهاية (٧ / ١٠٧ ـ ١١٠) ، الكامل (٢ / ٤٠٥ ـ ٤٠٨).
(٣) انظر : فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم (ص ٥٣ ـ ١٩٢).
(٤) كان ذلك سنة ثمانى عشرة من الهجرة.