وقدم عبد الرحمن بن حنبل من عند أبى بكر بكتابه إلى خالد ، وأتى يزيد بن أبى سفيان ومعه كان يكون ، فقال له يزيد : هل لقيت أبى؟ قال : نعم ، قال : فهل سألك عنى؟ قال : نعم ، قال : فما قلت له؟ قال : قلت له إن يزيد حازم الرأى ، متواضع فى ولايته ، بئيس البأس ، محبب فى الإخوان ، يبذل ما قدر عليه من فضله. فقال أبو سفيان : كذلك ينبغى لمثله أن يكون ، وطلب إلىّ أن أكتب إليه بما يكون من أمرنا ، وأن أعلمه حالنا ، فوعدته ذلك.
قال : فخرج خالد بالمسلمين ذات يوم ، فأحاطوا بمدينة دمشق ، ودنوا من أبوابها ، فرماهم أهلها بالحجارة ورشقوهم من فوق السور بالنشاب ، فقال ابن حنبل :
وأبلغ أبا سفيان عنا فإننا |
|
على خير حال كان جيش يكونها |
وأنا على بابى دمشقة نرتمى |
|
وقد حان من بابى دمشقة حينها |
وقعة مرج الصفر(١)
قال : فإن المسلمين لكذلك يقاتلونهم ويرجون فتح مدينتهم إذ أتاهم آت فأخبرهم أن هذا جيش قد جاءكم من قبل ملك الروم ، فنهض خالد بالناس على تعبئته وهيئته ، فقدم الأثقال والنساء ، وخرج معهن يزيد بن أبى سفيان ، ووقف خالد وأبو عبيدة من وراء الناس ، ثم أقبلوا نحو ذلك الجيش ، فإذا هو درنجار بعثه ملك الروم فى خمسة آلاف رجل من أهل القوة والشدة ليغيث أهل دمشق ، فصمد المسلمون صمدهم ، وخرج إليهم أهل القوة من أهل دمشق ، وناس كثير من أهل حمص ، فالقوم نحو من خمسة عشر ألفا ، فلما نظر إليهم خالد عبأ أصحابه كتعبئته يوم أجنادين ، فجعل على ميمنته معاذ بن جبل ، وعلى ميسرته هاشم بن عتبة ، وعلى الخيل سعيد بن زيد ، وأبا عبيدة على الرجال.
وذهب خالد فوقف فى أول الصف يريد أن يحرض الناس ، ثم نظر إلى الصف من أوله إلى آخره حتى حملت خيل لهم على خالد بن سعيد ، وكان واقفا فى جماعة من المسلمين فى ميمنة الناس يدعون الله ، ويقص عليهم ، فحملت طائفة منهم عليه ، فقاتلهم حتى قتل رحمهالله ، وحمل عليهم معاذ بن جبل من الميمنة فهزمهم ، وحمل عليهم خالد
__________________
(١) مرج الصفر : بالشام ، به كانت وقعة للمسلمين على نصارى الشام بعد وقعة أجنادين وكان بين الوقعتين عشرون يوما وكان ذلك قبل وفاة أبى بكر رضياللهعنه بأربعة أيام. انظر : الروض المعطار (٥٣٥).