ابن الوليد من الميسرة فهزم من يليه منهم ، وحمل سعيد بن زيد بالخيل على عظم جمعهم ، فهزمهم الله وقتلهم ، واجتث عسكرهم ، ورجع الناس ، وقد ظفروا وقتلوهم كل قتلة ، وذهب المشركون على وجههم ، فمنهم من دخل مدينة دمشق مع أهلها ، ومنهم من رجع إلى حمص ، ومنهم من لحق بقيصر.
وعن عمرو بن محصن : أن قتلاهم يومئذ وهو يوم مرج الصفر كانت خمسمائة فى المعركة ، وقد تلوا وأسروا نحوا من خمسمائة أخرى.
وقال أبو أمامة فيما رواه عنه يزيد بن يزيد بن جابر : كان بين أجنادين وبين يوم مرج الصفر عشرون يوما. قال : فحسبت ذلك فوجدته يوم الخميس لاثنتى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة ، قبل وفاة أبى بكر رضياللهعنه ، بأربعة أيام.
ثم إن الناس أقبلوا عودهم على بدئهم حتى نزلوا دمشق ، فحاصروا أهلها وضيقوا عليهم ، وعجز أهلها عن قتال المسلمين ، ونزل خالد منزله الذي كان ينزل به على باب الشرقى ، ونزل أبو عبيدة منزله على باب الجابية ، ونزل يزيد بن أبى سفيان جانبا آخر ، فكان المسلمون يغيرون ، فكلما أصاب رجل نفلا جاء بنفله حتى يلقيه فى القبض ، لا يستحل أن يأخذ منه قليلا ولا كثيرا ، حتى إن الرجل منهم ليجىء بالكبة الغزل أو بالكبة الصوف أو الشعر أو المسلمة أو الإبرة فيلقيها فى القبض ، لا يستحل أن يأخذها ، فسأل صاحب دمشق بعض عيونه عن أعمالهم وسيرتهم ، فوصفهم له بهذه الصفة فى الأمانة ، ووصفهم بالصلاة بالليل وطول القيام ، فقال : هؤلاء رهبان بالليل أسد بالنهار ، لا والله ما لى بهؤلاء طاقة ، وما لى فى قتالهم خير.
قال : فراود المسلمين على الصلح ، فأخذ لا يعطيهم ما يرضيهم ، ولا يبايعونه على ما يسأل ، وهو فى ذلك لا يمنعه من الصلح والفراغ إلا أنه قد بلغه أن قيصر يجمع الجموع للمسلمين ، يريد غزوهم ، فكان ذلك مما يمنعه من تعجيل الصلح.
وعلى تعبئة ذلك بلغ المسلمين الخبر بوفاة أبى بكر الصديق رضياللهعنه ، واستخلافه عمر رضياللهعنهما ، وما تبع ذلك من صرف خالد بأبى عبيدة ، حسبما يأتى تفصيله وبيانه إن شاء الله تعالى.