وكان سبب نقض الإسكندرية ، فيما ذكر ابن عبد الحكم ، أن صاحب أخناء قدم على عمرو بن العاص فقال : أخبرنا ما علينا من الجزية فنصبر لها ، فقال له عمرو وهو يشير إلى ركن كنيسة : لو أعطيتنى من الركن إلى السقف ما أخبرتك ، إنما أنتم خزانة لنا ، إن كثر علينا كثرنا عليكم وإن خفف عنا خففنا عنكم ، فغضب صاحب أخناء ، فخرج إلى الروم فقدم بهم ، فهزمهم الله ، ، وأسر ذلك النبطى ، فأتى به إلى عمرو ، فقال له الناس : اقتله ، فقال : لا ، بل انطلق فجئنا بجيش آخر.
وقيل : إنه لما أتى به سوره وتوجه وكساه برنسين أرجوان ، وقال له : ايتنا بمثل هؤلاء ، فرضى بأداء الجزية.
فقيل له : لو أتيت ملك الروم؟ فقال : لو أتيته لقتلنى وقال : قتلت أصحابى.
وذكر ابن عبد الحكم ، أيضا ، أن الروم مشت إلى قسطنطين بن هرقل فى سنة خمس وثلاثين فقالوا : تترك الإسكندرية فى أيدى العرب وهى مدينتنا الكبرى؟ فقال : ما أصنع بكم وما تقدرون أن تتماسكوا ساعة إذا لقيتم العرب؟ قالوا : فاخرج على أن نموت ، فتبايعوا على ذلك ، وخرج فى ألف مركب يريد الإسكندرية ، فبعث الله عليهم ريحا عاتية فأغرقتهم ، إلا قسطنطين نجا بمركبه فألقته الريح بصقلية ، فسألوه عن أمره فأخبرهم ، فقالوا : شأمت النصرانية وأفنيت رجالها ، فلو دخل العرب علينا لم نجد من يردهم ، ثم صنعوا له الحمام ودخلوا عليه ليقتلوه ، فقال : ويلكم تذهب رجالكم وتقتلون ملككم؟ قالوا : كأنه غرق معهم ، ثم قتلوه وخلوا من كان معه فى المركب.
ذكر غزو إفريقية وفتحها(١)
قال ابن عبد الحكم (٢) : ولما عزل عثمان ، عمرو بن العاص عن مصر وأمّر عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، كان يبعث المسلمين فى جرائد الخيل كما كانوا يفعلون فى إمرة عمرو بن العاص ، فيصيبون من أطراف إفريقية ويغنمون ، فكتب عبد الله بن سعد فى ذلك إلى عثمان ، وأخبره بقربها من حوز المسلمين ، واستأذنه فى غزوها ، فندب عثمان الناس إلى ذلك بعد المشورة فيه ، فلما اجتمع الناس أمّر عليهم الحارث بن الحكم إلى أن يقدموا مصر على عبد الله بن سعد ، فيكون إليه الأمر ، فخرج عبد الله إليها ، وكان
__________________
(١) انظر : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ٣٤٣ ـ ٣٤٥).
(٢) انظر : فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم (ص ١٨٣).