وقال الليث بن سعد وذكر له قول مالك بن أنس : لا يشترى رقيق النوبة ولا يباعون. فقال الليث : لا علم لمالك بهذا ، نحن أعلم به منه ، إنما صولحوا على أن نكف عنهم حربنا فقط ، وعلى أنهم يعطونا منهم رقيقا فى كل سنة ، وعلى أنا لا نمنع غزو غيرنا ، فبذلك نشتريهم ، إنما علينا الوفاء بأن لا نحاربهم فقط.
قال ابن عبد الحكم : ولم أر أحدا من أصحاب مالك يقول بقوله فى النوبة ، وكلهم كان يشتريهم.
قال : واجتمعت لعبد الله بن سعد البجة فى انصرافه من بلاد النوبة على شاطئ النيل ، فسأل عنهم ، فأخبر بشأنهم ، فهان عليه أمرهم ، فنفذ وتركهم ، ولم يكن لهم عقد ولا صلح ، وأول من صالحهم عبيد الله بن أبى الحبحاب.
ذكر البحر والغزو فيه
ذكر الطبرى (١) عن سيف عن أشياخه قالوا : ألح معاوية على عمر بن الخطاب فى غزو البحر وقرب الروم من حمص ، وقال : إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم ، حتى إذا كاد ذلك يأخذ بقلب عمر أحب أن يزود عنه ، فكتب إلى عمرو بن العاص : صف لى البحر وراكبه ، فإن نفسى تنازعنى إليه ، وإنى أشتهى خلافها ، فكتب إليه عمرو بن العاص : إنى رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير ، إن سكن خوف القلوب وإن تحرك راع العقول ، يزداد فيه اليقين قلة ، والشك كثرة ، هم فيه كدود على عود ، إن مال غرق وإن نحا فرق.
فلما جاءه كتاب عمرو كتب إلى معاوية : لا والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا لا أحمل فيه مسلما أبدا.
وفى رواية أنه كتب إليه :
إنا قد سمعنا أن بحر الشام يشرف على أطول شيء فى الأرض ، يستأذن الله فى كل يوم وليلة أن يفيض على الأرض فيغرقها ، فكيف أحمل الجنود فى هذا البحر الكافر المستصعب؟ والله لمسلم واحد أحب إلىّ مما حوت الروم فإياك أن تتعرض لى ، وقد تقدمت إليك.
__________________
(١) انظر : تاريخ الرسل والملوك للطبرى (٤ / ٢٥٨ ـ ٢٦١).