وكان أبو بكر قد أمد زيادا والمهاجر بعكرمة بن أبى جهل وهو يومئذ بدبا ، فسار إليهم فى سبعمائة فارس ، وقدم بعد فتح النجير بأربعة أيام ، فأمر أبو بكر بأن يسهم لهم فى ذلك ، فأسهم لهم.
ونظرت عجوز من سبى النجير إلى الأشعث بن قيس ، فقالت : قبحت من وافد قوم ورسولهم ، أخذت الأمان لأهلك ومواليك وعرضتنا للسباء ، وقتلت رجالنا بغدرك ، ولم تواسهم بنفسك ، وأنت شأمتهم ، رأسوك فلم يبارك لهم فى رئاستك ، والله ما رجعوا عن الإسلام ولكن شحوا على أموالهم ، فقتلوا ، ورجعت أنت عن الإسلام فنجوت ، ما كان أحد قط ، أشأم على قومه منك.
ومما يحفظ من شعر الأشعث ، يذكر الجماعة الذين ضرب زياد أعناقهم من أهل النجير وهم سبعمائة كما تقدم :
فلا رزء إلا يوم أقرع بينهم |
|
وما الدهر عندى بعدهم بأمين |
فليت جنوب الناس تحت جنوبهم |
|
ولم تمش أنثى بعدهم بجنين |
فكنت كذات البو ضغت فأقبلت |
|
إلى بوها أو طربت بحنين |
لغمرى وما عمرى على بهين |
|
لقد كنت بالقتلى أحق ضنين |
ويروى أن الأشعث إنما قال هذا فى الملوك الأربعة الذين قتلوا ، ومن روى هذا أنشد الشعر هكذا :
لعمرى وما عمرىّ على بهين |
|
لقد كنت بالأملاك حق ضنين |
فإن يك هذا الدهر فرق بينهم |
|
فما الدهر عندى بعدهم بأمين |
فليت جنوب الناس تحت جنوبهم |
|
ولم يبشرونى بعدهم بجنين |
وكنت كذات البو ريعت فأقبلت |
|
على بوها أو طربت بحنين |
ذكر بدء الغزو إلى الشام وما وقع فى نفس أبى بكر
الصديق رضياللهعنه ، من ذلك وما قوى عزمه عليه (١)
حدث سهل بن سعد الساعدى رضياللهعنه ، قال : لما فرغ أبو بكر رضياللهعنه ، من أهل الردة ، واستقامت له العرب ، حدث نفسه بغزو الروم ، ولم يطلع عليه أحدا ، فبينما هو كذلك إذ جاءه شرحبيل بن حسنة فجلس إليه ، فقال : يا خليفة رسول الله
__________________
(١) راجع المنتظم لابن الجوزى (٤ / ١١٥) ، تاريخ الطبرى (٣ / ٣٨٧).