ذكر اليوم الثانى من أيام القادسية ، وهو يوم أغواث
قالوا (١) : ولما أصبح الناس من الغد ، يعنون الغد من يوم أرماث ، أصبحوا على تعبئة ، وقد وكل سعد رجالا بنقل الشهداء إلى العذيب ونقل الرثيث. فأما الرثيث فأسلموا إلى النساء يقمن عليهم حتى يقضى الله فيهم قضاءه ، وأما الشهداء فليدفنوهم هنالك على مشرق ، واد بين العذيب وبين عين شمس فى عدوتيه جميعا ، وفى ذلك يقول سعد ، رحمهالله :
جزى الله أقواما بجنب مشرق |
|
غداة دعا الرحمن من كان داعيا |
جنانا من الفردوس والمنزل الذي |
|
يحل به ذو الخير ما كان باقيا |
وانتظر الناس بالقتال حمل الرثيث والأموال ، فلما استقلت بهم الإبل موجهة نحو العذيب طلعت عليهم نواصى الخيل من نحو الشأم ، وكان عمر ، رضياللهعنه ، قد أمر أبا عبيدة بن الجراح لما انقضى شأن اليرموك وفتح دمشق بصرف أهل العراق أصحاب خالد الذين قدم بهم عليه إلى العراق ، ولم يذكر له عمر خالدا ، فضن أبو عبيدة بخالد فحبسه ، وقد قيل إن عمر أمر بحبسه ، فأمسكه وسرح الجيش وهم ستة آلاف ، ألف من أبناء العرب من أهل الحجاز ، وسائرهم من ربيعة ومضر ، وأمر عليهم هاشم بن عتبة بن أبى وقاص (٢) ، وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو ، أى التميمى ، فجعله أمامه ، وجعل على إحدى مجنبتيه قيس بن مكشوح المرادى (٣) ، ولم يكن شهد الأيام ، وإنما أتاهم وهم باليرموك حين صرف أهل العراق فصرف معهم ، وعلى المجنبة الأخرى الهزهاز بن عدى العجلى ، فطوى القعقاع وتعجل ، فقدم على الناس صبيحة يوم أغواث ، وقد عهد إلى أصحابه أن ينقطعوا أعشارا ، وهم ألف ، فكلما بلغ عشرة مد البصر سرح فى آثارهم عشرة ، وتقدم هو فى عشرة ، فأتى الناس فسلم عليهم ، وبشرهم بالجنود ، وقال : يا أيها الناس ، إنى قد جئتكم فى قوم ، والله لو كانوا بمكانكم ، ثم أحسوكم لحسدوكم حظوتها ، وحاولوا أن يطيروا بها دونكم ، فاصنعوا كما أصنع ، فتقدم ثم نادى : من يبارز؟ فسكن الناس إليه ، وقالوا لقول أبى بكر الصديق ، رضياللهعنه : لا يهزم جيش
__________________
(١) انظر : الطبرى (٣ / ٥٤٢).
(٢) انظر ترجمته فى : الإصابة ترجمة رقم (٨٩٣٤) ، أسد الغابة ترجمة رقم (٥٣٢٨) ، العبر (١ / ٣٩) ، طبقات خليفة (٨٣١) ، مروج الذهب (٣ / ١٣٠) ، تاريخ بغداد (١ / ١٩٦) ، مرآة الجنان (١ / ١٠١) ، العقد الثمين (٧ / ٣٥٩) ، شذرات الذهب (١ / ٤٦).
(٣) انظر ترجمته فى : الإصابة ترجمة رقم (٧٣٢٩) ، طبقات ابن سعد (٥ / ٥٢٥) ، المحبر (٢٦١) ، معجم الشعراء (١٩٨) ، تهذيب الأسماء واللغات (٢ / ٦٤) ، شذرات الذهب (١ / ٤٦).