فلما ولى عثمان بن عفان لم يزل به معاوية ، حتى عزم على ذلك ، وقال له : لا تنتخب الناس ، ولا تقرع بينهم ، خيرهم ، فمن اختار الغزو طائعا فاحمله وأعنه.
ففعل ذلك معاوية ، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الجاسى حليف بنى فزارة ، فغزا خمسين غزاة من بين صائفة وشاتية فى البر والبحر ، ولم يغرق معه أحد فى البحر ولا نكب ، وكان يدعو الله أن يرزقه العافية فى جنده ، ولا يبتليه بمصاب أحد منهم ، ففعل الله ذلك له ، حتى إذا أراد الله أن يصيبه وحده ، خرج فى قارب طليعة ، فانتهى إلى البر من أرض الروم ، وعليه سؤال يعبرون ذلك المكان ، فتصدق عليهم ، فرجعت امرأة من السؤال إلى قريتها ، فقالت للرجال : هل لكم فى عبد الله بن قيس؟ قالوا : وأين هو؟ قالت : فى المرفأ ، قالوا : أى عدوة الله ، ومن أين تعرفين عبد الله بن قيس؟ فوبختهم ، وقالت : أنتم أعجز منى! أو يخفى عبد الله على أحد؟ فبادروا فهجموا عليه ، فقاتلوه وقاتلهم ، فأصيب وحده ، وأفلت الملاح حتى أتى أصحابه ، فجاءوا حتى أرفوا ، والخليفة فيهم سفيان بن عوف الأودى ، فخرج فقاتلهم ، فضجر وجعل يعبث بأصحابه ويشتمهم ، فقالت جارية عبد الله : واعبد الله ، ما هكذا كان يقول حين تقاتل! فقال سفيان : وكيف كان يقول؟ قالت : «الغمرات ثم ينجلين» ؛ فجعل سفيان يقول ذلك وترك ما كان يقول ، وأصيب فى المسلمين يومئذ. وقيل لتلك المرأة : بأى شيء عرفته؟ فقالت : بصدقته ، أعطى كما يعطى الملوك ، ولم يقبض قبض التجار.
غزو معاوية بن أبى سفيان قبرس
وغزا معاوية بن أبى سفيان قبرس سنة ثمان وعشرين فيما ذكر الواقدى.
قال : وهو أول من غزا الروم ، وغزاها أهل مصر وعليهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، حتى لقوا معاوية فكان على الناس.
قال ابن عفير : ومع معاوية امرأته فاختة بنت قرظة ، وكان معه ، أيضا ، فى غزاته أبو الدرداء ، وشداد بن أوس ، وأبو ذر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، فى عدة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأم حرام الأنصارية فتوفيت هناك ، فقبرها يستسقى به أهل قبرس ويسمونه قبر المرأة الصالحة.
وأم حرام (١) هذه هى خالة أنس بن مالك ، رضى الله ، وحديثها مشهور فى نوم النبيّ
__________________
(١) انظر ترجمتها فى : الإصابة ترجمة رقم (١١٩٧١) ، الثقات (٣ / ٤٦٢) ، تجريد أسماء الصحابة (٢ / ٣١٦) ، تقريب التهذيب (١٢ / ٦٢٠) ، تهذيب التهذيب (١٢ / ٤٦٢).