الاغترار ، وخرج سائرا فى الجنود نحو الولجة ، حتى نزل على الأنذرزعر وجنوده ومن تأشب إليه ، فاقتتلوا قتالا شديدا ؛ هو أعظم من قتال الثنى ، حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ ، واستبطأ خالد كمينه ؛ وكان قد وضع لهم كمينا فى ناحيتين ، عليهم بسر بن أبى رهم وسعيد بن مرة العجلى ، فخرج الكمين من وجهين ، فانهزمت صفوف العاجم وولوا ؛ وأخذهم خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم ، فلم ير رجل منهم مقتل صاحبه ؛ ومضى الأنذرزعر فى هزيمته ، فمات عطشا. وقام خالد فى الناس خطيبا يرغبهم فى بلاد العجم ، ويزهدهم فى بلاد العرب ، وقال : ألا ترون إلى الطعام كالتراب ، والله لو لم يلزمنا الجهاد فى الله ، والدعاء إليه ، ولم يكن إلا المعاش لكان الرأى أن نقارع على هذا الريف حتى نكون أولى به ، ونولى الجوع والإقلال من تولاه ممن تثاقل عما أنتم عليه.
وسار خالد فى الفلاحين سيرته فلم يقتلهم ، وسبى ذرارى المقاتلة ومن أعانهم ، ودعا أهل الأرض إلى الجزاء والذمة فتراجعوا.
وبارز خالد يوم الولجة رجلا من أهل فارس يعدل بألف رجل فقتله ، فلما فرغ اتكأ عليه ، ودعا بغذائه.
وقال خالد يذكر ذلك اليوم :
نهكناهم بها حتى استجاروا |
|
ولو لا الله لم يرزوا قبالا |
فولوا الله نعمته وقولوا |
|
ألا بالله نحتضر القتالا |
وقال القعقاع فى ذلك وأثنى على المسلمين :
ولم أر قوما مثل قوم رأيتهم |
|
على ولجات البر أحمى وأنجبا |
وأقتل للرواس فى كل مجمع |
|
إذا صعصع الدهر الجموع وكبكبا |
فنحن حبسنا بالزمازم بعد ما |
|
أقاموا لنا فى عرصة الدار ترقبا |
قتلناهم ما بين قلع مطلق |
|
إلى القيعة الغبراء يوما مطنبا |
حديث ألّيس ، وهى على صلب الفرات (١)
ولما أصاب خالد من أصاب يوم الولجة من بكر بن وائل من نصاراهم الذين أعانوا
__________________
(١) انظر : الطبرى (٣ / ٣٥٥ ـ ٣٥٨) ، الروض المعطار (ص ٢٩ ، ٣٠) ، الكامل لابن الأثير (٢ / ٢٦٤ ، ٢٦٥) ، نهاية الأرب للنويرى (١٩ / ١٠٩ ، ١١٠) ، البداية والنهاية لابن كثير (ص ٣٤٦ ، ٣٤٧).