تجزعوا مما لا بد منه ، فالصبر أنجى من الجزع. وفعل طليحة وغالب أهل النجدات من جميع القبائل مثل ذلك.
وقال أنس بن الجليس : شهدت ليلة الهرير ، فكان صليل الحديد فيها كضرب القيون ليلتهم حتى الصباح ، أفرغ عليهم الصبر إفراغا.
وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها ، ورأى العرب والعجم أمرا لم يروا مثله قط ، وانقطعت الأصوات والأخبار عن سعد ورستم ، فبعث سعد فى تلك الليلة نجادا ، وهو غلام ، إلى الصف ، إذ لم يجد رسولا ، فقال : انظر ما ذا ترى من حالهم ، فرجع إليه فقال : ما رأيت يا بنى؟ فقال : رأيتهم يلعبون ، فقال : أو يجدون. فأقبل سعد على الدعاء ، حتى إذا كان فى وجه الصبح ، انتمى الناس فاستدل سعد بذلك على أنهم الأعلون ، وأن الغلبة لهم.
قال بعضهم : أول شيء سمعه سعد ليلتئذ مما يستدل به على الفتح فى نصف الليل الباقى صوت القعقاع بن عمرو وهو يقول :
نحن قتلنا معشرا وزائدا |
|
أربعة وخمسة وواحدا |
تحسب فوق البلد الأساودا |
|
حتى إذا ماتوا دعوت واحدا |
الله ربى واحترزت جاهدا |
فاستدل سعد بهذا ، وبما سمع معه من غير القعقاع من الانتماء ، واتسع له الرجاء ، فسمع عمرو بن معدى كرب يقول : أنا ابن أسلة ، وطليحة يقول : أنا ابن ليلى ، وسعد بن عمارة يقول : أنا ابن أروى ، ثم سمع الانتساب من كل ناحية : خذها وأنا الغلام الجرمى من النخع ، خذها وأنا الغلام المالكى من بنى أسد ، خذها وأنا الغلام الأسعدى من عجل ، فأصبحوا والناس على مواقفهم متحاجزين ، فصلى المسلمون الغداة وفضوا من شأنهم.
خبر اليوم الرابع من أيام القادسية
وهذا أهو آخر أيامها ، ويسمى من بينها : يوم القادسية ، وفيه قتل الله رستم ، وأتم الفتح للمسلمين.
قالوا (١) : وأصبح الناس ذلك اليوم حسرى ، لم يغمضوا ليلتهم كلها ، فسار القعقاع
__________________
(١) انظر : الطبرى (٣ / ٥٦٣).