فى الناس ، فقال : إن الدبرة بعد ساعة لمن بدأ اليوم ، فاصبروا واحملوا ، فإن النصر مع الصبر. فاجتمع إليه هلال بن علفة ، ومالك بن ربيعة ، والكلح الضبى ، وضرار بن الخطاب ، وابن الهذيل ، وغالب ، وطليحة ، وعاصم بن عمرو بن ذى البردين ، وأمثالهم ممن اختصر ذكره ، ومعهم عشائرهم. ثم صمدوا لرستم حتى خالطوا الذين دونه مع الصبح.
ولما رأت ذلك القبائل قام فيهم رجال منهم ، فقالوا : لا يكونن هؤلاء أجد فى أمر الله تعالى ، منكم ، ولا أسخى نفسا عن الدنيا ، تنافسوها. فحملوا مما يليهم حتى خالطوا الذين بإزائهم.
وقام فى ربيعة عتيبة بن النهاس ، وفرات بن حيان ، والمعنى بن حارثة ، وسعيد بن مرة ، فى أمثالهم ، فقالوا : أنتم أعلم الناس بفارس وأجرؤهم عليهم فيما مضى ، فما يمنعكم اليوم أن تكونوا أجرأ مما كنتم.
واقتتل الناس إلى أن انفرج قلب المشركين حين قام قائم الظهيرة ، وقد ركد عليهم النقع ، واشتد الحر ، وسقفتهم الشمس ، فهبت ريح عاصف ، فقلعت طيارة رستم عن سريره ، فهوت فى العتيق ، فانتهى القعقاع وأصحابه إلى السرير فعثروا به ، وقد قام رستم عنه حين طارت الريح بالطيارة إلى بغال قدمت عليه يومئذ بمال فهى واقفة ، فاستظل فى ظل بغل منها وحمله ، وضرب هلال بن علفة العدل الذي على البغل الذي رستم تحته ، فقطع حباله ، فوقع عليه أحد العدلين ، ولا يراه هلال ولا يشعر به ، فأزال من ظهره فقارا ، ويضربه ضربة فنفحت مسكا ، ومضى رستم نحو العتيق فرمى بنفسه فيه ، فاقتحمه عليه هلال ، فتناوله وقد عام ، فأخرجه ثم ضرب جبينه بالسيف حتى قتله ، ثم جاء به فرمى به بين أرجل البغال ، وصعد السرير ، ثم نادى : قتلت رستما ورب الكعبة ، إلىّ إلىّ ، فأطافوا به ما يحسون السرير وما يرونه ، وكبروا وتنادوا ، وانبت قلب المشركون عندها وانهزموا ، وقام الجالينوس على الردم ، ونادى أهل فارس إلى العبور ، وانسفى الغبار ، فأما المقترنون فإنهم خشعوا فتهافتوا فى العتيق ، فوخزهم المسلمون برماحهم فما أفلت منهم مخبر ، وهم ثلاثون ألفا.
وأخذ ضرار بن الخطاب «درفش كابيان» ، راية كسرى ، فعوض عنها ثلاثين ألفا ، وكانت قيمتها ألف ألف ومائتى ألف ، وقتلوا فى المعركة من الليل ، يعنى ليلة الهرير ، عشرة آلاف سوى من قتلوا فى تلك الثلاثة الأيام.