ولا ذكر للمهاجر بن أبى أمية فى شيء من ذلك إلا أن ابن إسحاق والواقدى ذكرا أن قدوم رسول ملوك حمير على رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان مقدمه من تبوك ، وذلك فى سنة تسع ، وتوجيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم رسله إلى الملوك إنما كان بعد انصرافه عن الحديبية آخر سنة ست ، فلعل المهاجر والله أعلم كانت وجهه حينئذ إلى الحارث بن عبد كلال فصادف منه عامئذ ترددا واستنظارا ، ثم جلا الله عنه العمى فيما بعد ، وأمر بهدايته فاستبان له القصد ، فعند ذلك أرسل هو وأصحابه بإسلامهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبذلك يجتمع الأمران ، ويصح الخبران ، إذ لا خلاف بين أهل العلم بالأخبار والعناية بالسير أن ملوك حمير أسلموا وكتبوا بإسلامهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما أنه لا خلاف بينهم أيضا فى توجيه المهاجر بن أبى أمية إلى الحارث بن عبد كلال.
ويقول بعض من ذكر ذلك أن المهاجر لما قدم عليه قال له : يا حارث إنك كنت أول من عرض عليه النبيّ صلىاللهعليهوسلم نفسه فخطيت عنه ، وأنت أعظم الملوك قدرا ، فإذا نظرت فى غلبة الملوك فانظر فى غالب الملوك ، وإذا أسرك يومك فخف غدك ، وقد كان قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها ، عاشوا طويلا وأملوا بعيدا وتزودوا قليلا ، منهم من أدركه الموت ، ومنهم من أكلته النقم ، وإنى أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك ، وإن أرادك لم يمنعك منه أحد ، وأدعوك إلى النبيّ الأمى الذي ليس شيء أحسن مما يأمر به ولا أقبح مما ينهى عنه ، واعلم أن لك ربا يميت الحى ويحيى الميت ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
فقال الحارث : قد كان هذا النبيّ عرض نفسه على ، فخطيت عنه ، وكان ذخرا لمن صار إليه ، وكان أمره أمرا بسق ، فحضره اليأس وغاب عنه الطمع ، ولم تكن لى قرابة أحتمله عليها ، ولا لى فيه هوى أتبعه له ، غير أنى أرى أمرا لم يؤسسه الكذب ، ولم يسنده الباطل ، له بدو سار وعافية نافعة ، وسأنظر.
ذكر كتاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى
فروة بن عمرو الجذاميّ ثم النفاتى ، وما كان من
تبرعه بالإسلام هداية من الله عزوجل له (١)
ذكر الواقدى بإسناد له أن فروة بن عمرو (٢) ، هذا كان عاملا لقيصر على عمان من
__________________
(١) راجع : السيرة (٤ / ٢١٤).
(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب ترجمة رقم (٢٠٩٧).