وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى مسيره إلى تبوك يقول : «إنى بشرت بالكنزين : فارس والروم ، وأمددت بالملوك : ملوك حمير ، يأكلون فيء الله ويجاهدون فى سبيل الله». فلما قدم عليه مالك بن مرة بإسلامهم ، كتب إليهم : «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله النبيّ ، إلى الحارث بن عبد كلال وإلى نعيم بن عبد كلال وإلى النعمان قيل : ذى رعين ومعافر وهمدان. أما بعد ذلكم ، فإنى أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد ، فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من الأرض الروم فلقينا بالمدينة ، فبلغ ما أرسلتم به ، وخبر ما قبلكم ، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين ، وأن الله قد هداكم بهداه. أن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغانم خمس الله وسهم النبيّ وصفيه ، وما كتب على المؤمنين من الصدقة وبين لهم صدقة الزرع والإبل والبقر والغنم ، ثم قال : فمن زاد خيرا فهو خير له ، ومن أدى ذلك وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين ، له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، وله ذمة الله وذمة رسوله ، وأنه من أسلم من يهودى أو نصرانى فإنه من المؤمنين ، له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها ، وعليه الجزية على كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا ، فمن أدى ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن له ذمة الله وذمة رسوله ، ومن منعه فإنه عدو لله ولرسوله.
أما بعد ، فإن محمد النبيّ أرسل إلى زرعة ذى يزن أن إذا أتاكم رسلى فأوصيكم بهم خيرا ، معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك بن مرة وأصحابهم ، وأن أجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخالفيكم وأبلغوها رسلى ، فإن أميرهم ابن جبل ، فلا ينقلبن إلا راضيا. أما بعد ، فإن محمدا يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله ، ثم إن مالك بن مرة الرهاوى قد حدثني أنك قد أسلمت من أول حمير ، وقتلت المشركين ، فأبشر بخير ، وآمرك بحمير خيرا ، ولا تخاونوا ولا تخاذلوا فإن رسول الله هو مولى غنيكم وفقيركم ، وإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته ، وإنما هى زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل ، وإن مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب ، وآمركم به خيرا ، وإنى قد أرسلت إليكم من صالحى أهلى وأولى دينهم وأولى علمهم وآمركم بهم خيرا ، فإنه منظور إليهم ، والسلام عليكم ورحمة الله» (١).
فهذا ما ذكر ابن إسحاق (٢) من شأن ملوك حمير ، وما كتبوا به ، وكتب إليهم ، وذكر الواقدى أيضا نحوه.
__________________
(١) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٥ / ٧٥).
(٢) انظر : السيرة (٤ / ٢١٢ ـ ٢١٣).