هكذا ذكر الواقدى أن توجه شجاع بن وهب بكتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إلى الحارث بن أبى شمر ، وكذلك قال ابن إسحاق.
وأما ابن هشام (١) فقال : إنما توجه إلى جبلة بن الأيهم ، وقد قال ذلك غيره ، فالله أعلم.
وذكر بعض من وافق ابن هشام على أن الرسالة كانت إلى جبلة : أن شجاع بن وهب لما قدم عليه قال له : «يا جبلة ، إن قومك نقلوا هذا النبيّ الأمى من داره إلى دارهم يعنى الأنصار فأووه ومنعوه ، وإن هذا الدين الذي أنت عليه ليس بدين آبائك ، ولكنك ملكت الشام وجاورت بها الروم ، ولو جاورت كسرى دنت بدين الفرس لملك العراق ، وقد أقر بهذا النبيّ الأمى من أهل دينك من إن فضلناه عليك لم يغضبك ، وإن فضلناك عليه لم يرضك ، فإن أسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم ، وإن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا ولك الآخرة ، وكنت قد استبدلت المساجد بالبيع ، والأذان بالناقوس ، والجمع بالشعانين ، والقبلة بالصليب ، وكان ما عند الله خير وأبقى».
فقال له جبلة : «إنى والله لوددت أن الناس اجتمعوا على هذا النبيّ الأمى اجتماعهم على خلق السموات والأرض ، ولقد سرنى اجتماع قومى له ، وأعجبنى قتله أهل الأوثان واليهود واستبقاءه النصارى ، ولقد دعانى قيصر إلى قتال أصحابه يوم مؤتة فأبيت عليه ، فانتدب له مالك بن نافلة من سعد العشيرة ، فقتله الله ، ولكنى لست أرى حقا ينفعه ولا باطلا يضره ، والذي يمدنى إليه أقوى من الذي يختلجنى عنه ، وسأنظر».
وأما توجه المهاجر بن أبى أمية بن المغيرة المخزومى ، وهو شقيق أم سلمة زوج النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى الحارث بن عبد كلال ، فلم أجد عند ابن إسحاق ، ولا فيما وقع إلى عن الواقدى شيئا أنقله عنهما سوى ما ذكر ابن إسحاق (٢) من توجيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إياه إلى الحارث بن عبد كلال ذكرا مقتصرا فيه على القدر مختصرا من الإمتاع بما تحسن إضافته إلى ذلك من الوصف.
وتقدم لابن إسحاق فى كتابه ، وذكره أيضا الواقدى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قدم عليه كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك ، ورسولهم إليه بإسلامهم الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل : ذى رعين ومعافر وهمدان ، وبعث إليه زرعة ذى يزن مالك بن مرة الرهاوى بإسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله.
__________________
(١) انظر : السيرة (٤ / ٢٣١).
(٢) انظر : السيرة (٤ / ٢٣١).