معاوية بذلك يرى أنه قد فتح عليه ، فقال معاوية : إن ابن أخى ليفرح بأمر إنه ليحزننى وينبغى له أن يحزنه ، قالوا : ولم يا أمير المؤمنين؟ قال : لأن آمل بلدة بينها وبين زرنج صعوبة وتضايق ، وهؤلاء قوم غدر نكر ، فيضطرب الجبل غدا ، فأهون ما يجىء منهم أن يغلبوا على بلاد آمل بأسرها.
وتم لهم على عهد ابن زياد ، فلما وقعت الفتنة بعد معاوية كفر الشاه ، وخلت آمل ، وخافه أخوه فاعتصم منه بمكانه الذي هو به ، ولم يرضه ذلك حين تشاغل الناس عنه حتى طمع فى زرنج فغزاها ، فحصرهم حتى أتتهم الأمداد من البصرة.
قالوا : وسار رتبيل والذين جاءوا معه فنزلوا تلك البلاد شجا لم ينتزع إلى اليوم ، وقد كانت البلاد مذللة إلى أن مات معاوية ، رحمهالله.
فتح مكران
قالوا (١) : وقصد الحكم بن عمرو التغلبى لمكران ، حتى انتهى إليها ، ولحق به شهاب بن مخارق بن شهاب ، فانضم إليه ، وأمده سهيل بن عدى ، وعبد الله بن عتبان بأنفسهما ، فانتهوا إلى دوين النهر ، وقد انفض أهل كرمان إليه حتى نزلوا على شاطئه ، فعسكروا ، وعبر إليهم راسل ملكهم ، ملك السند ، فازدلف بهم يستقبل المسلمين ، فالتقوا فاقتتلوا بمكان من مكران من النهر على أيام ، فهزم الله راسلا وسلبه ، وأباح المسلمين عسكره ، وقتلوا فى المعركة من المشركين مقتلة عظيمة ، واتبعوهم يقتلونهم أياما ، حتى انتهوا إلى النهر.
ثم رجعوا فأقاموا بمكران ، وكتب الحكم إلى عمر بالفتح ، وبعث بالأخماس مع صحار العبدى ، واستأمره فى الفيلة ، فقدم صحار على عمر ، رحمهالله ، فسأله عن مكران ، وكان لا يأتيه أحد إلا سأله عن الوجه الذي يجىء منه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أرض سهلها جبل ، وماؤها وشل ، وتمرها دقل ، وعدوها بطل ، وخيرها قليل ، وشرها طويل ، والكثير بها قليل ، والقليل بها ضائع ، وما وراءها شر منها ، فقال عمر ، رحمهالله : أسجاع أنت أم مخبر؟ فقال : بل مخبر ، فقال : لا والله ، لا يغزوها لى جيش ما أطعت ، وكتب إلى الحكم وإلى سهيل : أن لا يجوزن مكران أحد من جنودكما ، واقتصر على ما دون النهر ، وأمره ببيع الفيلة بأرض الإسلام وقسم أثمانها على من أفاءها الله عليه.
__________________
(١) انظر الخبر فى : الطبرى (٤ / ١٨١ ، ١٨٢) ، الروض المعطار (ص ٥٤٣ ، ٥٤٤).