ولما ظفر المسلمون جمعهم أبو عبيدة فخطبهم ، وقال لهم : لا تتكلوا ولا تزهدوا فى الدرجات.
فتح قنسرين (١)
وبعث بعد فتح حمص خالد بن الوليد إلى قنسرين ، فلما نزل بالحاضر زحف إليه الروم وعليهم ميناس ، وهو رأس الروم وأعظمهم فيهم بعد هرقل ، فالتقوا بالحاضر ، فقتل ميناس ومن معه مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها. فأما الروم فماتوا على دمه حتى لم يبق منهم أحد ، وأما أهل الحاضر فأرسلوا إلى خالد أنهم عرب ، وأنهم إنما حشدوا ولم يكن من رأيهم حربه ، فقبل منهم وتركهم.
ولما بلغ ذلك عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، قال : أمر خالد نفسه ، يرحم الله أبا بكر هو كان أعلم بالرجال منى ، وكان قد عزله والمثنى بن حارثة عند قيامه ، بالأمر ، وقال : إنى لم أعزلهما عن ريبة ، ولكن الناس عظموهما ، فخشيت أن يوكلوا إليهما.
ويروى أنه قال حين ولى : والله لأعزلن خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة ليعلما أن الله إنما ينصر دينه لا إياهما. فلما كان من أمر خالد فى قنسرين ما كان ، رجع عن رأيه.
وسار خالد حتى نزل على قنسرين ، فتحصنوا منه ، فقال : إنكم لو كنتم فى السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلنكم إلينا. فنظروا فى أمرهم ، وذكروا ما لقى أهل حمص وقنسرين ، فسألوه الصلح على مثل صلحها ، فأبى إلا على إخراب المدينة ، فأخربها.
واتطأت حمص وقنسرين ، فعند ذلك خنس هرقل وخرج نحو القسطنطينية. وأفلت رجل من الروم كان أسيرا فى أيدى المسلمين فلحق بهرقل ، فقال له : أخبرنى عن هؤلاء القوم. فقال : أحدثك كأنك تنظر إليهم ، فرسان بالنهار ، ورهبان بالليل ، ما يأكلون فى ذمتهم إلا بثمن ، ولا يدخلون إلا بسلام ، يقفون على من حاربهم حتى يأتوا عليه. فقال : لئن كنت صدقتنى ليرثن ما تحت قدمي هاتين (٢).
وكان هرقل كلما حج بيت المقدس فخلف سورية ، وظعن فى أرض الروم التفت فقال : السلام عليك يا سورية ، تسليم مودع لم يقض منك وطره ، وهو عائد. فلما توجه
__________________
(١) راجع : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ١٩١) ، تاريخ الطبرى (٣ / ٦٠١).
(٢) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٦٠٢ ـ ٦٠٣).