أبى وقاص : إن أبا عبيدة قد أحيط به ولزم حصنه ، فبث المسلمين بالجزيرة ، واشغلهم بالخيول عن أهل حمص ، وأمد أبا عبيدة بالقعقاع بن عمرو.
فخرج القعقاع ممدا لأبى عبيدة ، وخرجت الخيول نحو الرقة ونصيبين وحران ، فلما وصلوا الجزيرة وبلغ ذلك الروم الذين كانوا منها وهم بحمص تقوضوا إلى مدائنهم ، وبادروا المسلمين إليها ، فتحصنوا ، ونزل عليهم المسلمون فيها ، ولما دنا القعقاع من حمص راسلت طائفة من تنوخ خالدا ودلوه وأخبروه بما عندهم من الخبر ، فأرسل إليهم خالد : والله لو لا أنى فى سلطان غيرى ما باليت قللتم أم كثرتم أو أقمتم أو ذهبتم ، فإن كنتم صادقين فانفشوا كما انفش أهل الجزيرة ، فساموا تنوخ ذلك ، فأجابوهم ، وراسلوا خالدا : إن ذلك إليك ، فإن شئت فعلنا ، وإن شئت أن تخرج علينا فننهزم بالروم ، وأوثقوا له ، فقال : بل أقيموا ، فإذا خرجنا فانهزموا بهم.
فقال المسلمون لأبى عبيدة : قد أنفش أهل الجزيرة ، وقد ندم أهل قنسرين وواعدوا من أنفسهم ، وهم العرب ، فاخرج بنا وخالد ساكت ، فقال : يا خالد ، ما لك لا تتكلم؟
فقال : قد عرفت الذي كان من رأيى فلم تسمع من كلامى. قال : فتكلم فإنى أسمع منك وأطيعك ، قال : فاخرج بالمسلمين ، فإن الله تعالى قد نقص من عدتهم ، وبالعدد يقاتلون ، ونحن إنما نقاتل منذ أسلمنا بالنصر ، فلا تجفلك كثرتهم.
قالوا : فجمع أبو عبيدة الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال :
أيها الناس ، إن هذا يوم له ما بعده ، أما من حكى منكم فإنه يصفو له ملكه وقراره ، وأما من مات منكم فإنها الشهادة ، فأحسنوا بالله الظن ولا يكرهن إليكم الموت أمر اقترفه أحدكم دون الشرك ، توبوا إلى الله وتعرضوا للشهادة ، فإنى أشهد وليس أوان الكذب ، أنى سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.
فكأنما كانت بالناس عقل تنشطت ، فخرج بهم وخالد على الميمنة ، وقيس على الميسرة ، وأبو عبيدة فى القلب وعلى باب المدينة معاذ بن جبل ، فاجتلدوا بها ، فإنهم كذلك إذ قدم القعقاع متعجلا فى مائة ، فانهزم أهل قنسرين بالروم ، فاجتمع القلب والميمنة على قلبهم وقد انكسر أحد جناحيه ، فما أفلت منهم مخبر ، وذهبت الميسرة على وجهها ، وآخر من أصيب منهم بمرج الديباج انتهوا إليه فكسروا سلاحهم وألقوا بلامهم تخففا ، فأصيبوا وتغنموا.