أحدثت نفسك أن تبعث إلى الشام جندا؟ قال : نعم ، قد حدثت نفسى بذلك ولم أطلع عليه أحدا ، وما سألتنى إلا لشىء. قال : أجل ، إنى رأيت فيما يرى النائم كأنك تمشى فى ناس من المسلمين فوق حرشفة من الجبل ، فأقبلت تمشى معهم حتى صعدت قلة فى أعاليه ، فأشرفت على الناس ومعك أصحابك أولئك ، ثم هبطت من تلك القلة إلى أرض سهلة دمثة ، فيها الزروع والعيون والقرى والحصون ، فقلت : يا للمسلمين! شنوا الغار على المشركين ، فأنا ضامن لكم بالفتح والغنيمة!.
فشد المسلمون وأنا فيهم ومعى راية ، فتوجهت بها إلى قرية فسألونى الأمان فأمنتهم ، ثم جئت فأجدك قد انتهيت إلى حصن عظيم ، ففتح لك ، وألقوا إليك السلم ، ووضع لك عريش فجلست عليه ، ثم قال لك قائل : يفتح عليك وتنصر فاشكر ربك واعمل بطاعته ، ثم قرأ : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) [النصر : ١ ، ٤].
ثم انتهيت ، فقال له أبو بكر رضياللهعنه : نامت عينك ، ثم دمعت عينا أبى بكر رضياللهعنه ، فقال : أما الحرشفة التي كنا نمشى عليها حتى صعدنا منها إلى القلة لعالية فأشرفنا منها على الناس فإنا نكابد من أمر هذا الجند مشقة ويكابدونها ثم نعلو بعد ويعلو أمرنا ، وأما نزولنا من القلة إلى الأرض السهلة الدمثة وما فيها من الزروع والعيون والقرى والحصون فإنا ننزل إلى أمر أسهل مما كنا فيه ، فيه الخصب والمعاش ، وأما قولى للمسلمين : شنوا عليهم الغارة ، فإنى ضامن لكم بالفتح والغنيمة ، فإن ذلك توجيهى للمسلمين إلى بلاد المشركين واحتثاثى إياهم على الجهاد ، وأما الراية التي كانت معك فتوجهت بها إلى قرية من قراهم فدخلتها فاستأمنوك فأمنتهم فإنك تكون أحد أمراء المسلمين ويفتح الله على يديك ، وأما الحصن الذي فتح لنا فهو ذلك الوجه ، يفتحه الله علىّ ، وأما العريش الذي رأيتنى عليه جالسا ، فإن الله يرفعنى ويضع المشركين ، وأما الذي أمرنى بالعمل وبالطاعة وقرأ علىّ السورة فإنه نعى إلىّ نفسى ، إن هذه السورة حين أنزلت على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، علم أن نفسه قد نعيت إليه ، ثم سألت عينا أبى بكر ، فقال : لآمرن بالمعروف ولأنهين عن المنكر ولأجاهدن من ترك أمر الله ولأجهزن الجنود إلى العادلين بالله فى مشارق الأرض ومغاربها حتى يقولوا : الله أحد ، الله أحد ، أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، أمر الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، فإذا توفانى الله لم يجدنى وانيا ، ولا فى ثواب المجاهدين فيه زاهدا ، ثم إنه عند ذلك أمر الأمراء ، وبعث إلى الشام البعوث.
وعن عبد الله بن أبى أوفى الخزاعى ، وكانت له صحبة ، قال : لما أراد أبو بكر أن