وبعث خالد بكتابه هذا مع عبد الرحمن بن حنبل الجمحى ، فلما قرئ على أبى بكر وهو مريض مرضه الذي توفاه الله فيه أعجبه ذلك ، وقال : الحمد لله الذي نصر المسلمين ، وأقر عينى بذلك.
قال سهل بن سعد : وكانت وقعة أجنادين هذه أول وقعة عظيمة كانت بالشام ، كانت سنة ثلاث عشرة ، فى جمادى الأولى لليلتين بقيتا منه ، يوم السبت نصف النهار ، قبل وفاة أبى بكر رضياللهعنه ، بأربع وعشرين ليلة.
وذكر الطبرى (١) عن ابن إسحاق أن الذي كان على الروم تذارق أخو هرقل لأبيه وأمه ، ثم ذكر عنه ، عن عروة بن الزبير ، أنه قال : كان على الروم رجل منهم يقال له : القبقلار ، وكان هرقل استخلفه على أمراء الشام حين سار إلى القسطنطينية ، وإليه انصرف تذارق ومن معه من الروم.
قال ابن إسحاق : فأما علماء أهل الشام فيزعمون أنه إنما كان على الروم تذارق ، فالله أعلم.
وعنه قال : لما تدانى العسكران بعث القبقلار رجلا عربيا ، فقال له : ادخل فى هؤلاء القوم فأقم فيهم يوما وليلة ثم ائتنى بخبرهم. فدخل فى الناس رجل عربى لا ينكر ، فأقام فيهم يوما وليلة ، ثم أتاه فقال له : مه ما وراءك؟ قال : بالليل رهبان وبالنهار فرسان ، ولو سرق ابن ملكهم قطعوا يده ، ولو زنى لرجم ، لإقامة الحق فيهم ، فقال له القبقلار : لئن كنت صدقتنى لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها ، ولوددت أن حظى من الله أن يخلى بينى وبينهم ، فلا ينصرنى عليهم ولا ينصرهم على.
ثم تزاحف الناس ، فاقتتلوا ، فلما رأى القبقلار ما رأى من قتالهم قال للروم : لفوا رأسى بثوب ، قالوا له : لم؟ قال : هذا يوم بئيس ، ما أحب أن أراه ، ما رأيت من الدنيا يوما أشد من هذا. قال : فاحتز المسلمون رأسه ، وإنه لملفف.
وعن غير ابن إسحاق قال : ثم إن خالد بن الوليد أمر الناس أن يسيروا إلى دمشق ، وأقبل بهم حتى نزلوها ، وقصد إلى ديره الذي كان ينزل به ، فنزله وهو من دمشق على ميل مما يلى باب الشرقى ، وبخالد يعرف ذلك الدير إلى اليوم ، وجاء أبو عبيدة حتى نزل على باب الجابية ، ونزل يزيد بن أبى سفيان على جانب آخر من دمشق وأحاطوا بها ، وحاصروا أهلها حصارا شديدا.
__________________
(١) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٤١٧).