الروم ، من أهل الإسكندرية ، كان قدم للصلاة فى بيت المقدس وللسياحة فى جبالها ، فوقف على عمرو فاستسقاه وقد أصابه عطش شديد فى يوم شديد الحر ، فسقاه عمرو من قربة له ، فشرب حتى روى ، ونام الشماس مكانه ، وكانت إلى جنبه حيث نام حفرة ، فخرجت منها حية عظيمة ، فبصر بها عمرو ، فنزع لها بسهم فقتلها ، فلما استيقظ الشماس ونظر إلى الحية سأل عمرا عنها ، فأخبره أنه رماها فقتلها ، فأقبل الشماس فقبل رأسه ، وقال : قد أحيانى الله بك مرتين ، مرة من شدة العطش ، ومرة من هذه الحية ، فما أقدمك هذه البلاد؟ قال : قدمت مع أصحاب لى نطلب الفضل فى تجارتنا ، فقال له الشماس : وكم تراك ترجو أن تصيب فى تجارتك؟ قال : رجائى أن أصيب ما اشترى به بعيرا ، فإنى لا أملك إلا بعيرين ، فأملى أن أصيب بعيرا ثالثا ، فقال له الشماس : كم الدية فيكم؟ قال : مائة من الإبل ، قال الشماس لسنا أصحاب إبل ، إنما نحن أصحاب دنانير.
قال : تكون ألف دينار ، فقال له الشماس : إنى رجل غريب فى هذه البلاد ، وإنما قدمت أصلى فى كنيسة بيت المقدس ، وأسيح فى هذه الجبال شهرا ، جعلت ذلك نذرا على نفسى ، وقد قضيت ذلك ، وأنا أريد الرجوع إلى بلادى ، فهل لك أن تتبعنى إلى بلادى ، ولك عهد الله وميثاقه أن أعطيك ديتين لأن الله عزوجل ، أحيانى بك مرتين؟ فقال له عمرو : وأين بلادك؟ قال : مصر ، فى مدينة يقال لها : الإسكندرية ، فقال له عمرو : لا أعرفها ، ولم أدخلها قط ، فقال له الشماس : لو دخلتها لعلمت أنك لم تدخل قط مثلها ، فقال عمرو : وتفى لى بما تقول؟ فقال له الشماس : نعم ، لك علىّ العهد والميثاق أن أفي لك ، وأن أردك إلى أصحابك ، فقال عمرو : كم يكون مكثى فى ذلك؟ قال : شهرا تنطلق معى ذاهبا عشرا ، وتقيم عندنا عشرا وترجع فى عشر ، ولك علىّ أن أحفظك ذاهبا ، وأن أبعث معك من يحفظك راجعا ، فقال له عمرو : أنظرنى حتى أشاور أصحابى.
فانطلق عمرو إلى أصحابه ، فأخبرهم بما عاهده عليه الشماس ، وقال لهم : أقيموا علىّ حتى أرجع إليكم ولكم علىّ العهد أن أعطيكم شطر ذلك ، على أن يصحبنى رجل منكم آنس به ، فقالوا : نعم ، وبعثوا معه رجلا منهم.
فانطلق عمرو وصاحبه مع الشماس إلى مصر ، حتى انتهى إلى الإسكندرية ، فرأى عمرو من عمارتها وكثرة أهلها وما بها من الأموال ما أعجبه ، ونظر إلى الإسكندرية وعمارتها وجودة بنائها ، وكثرة أهلها ، وما بها من الأموال ، فازداد عجبا.