ووافق دخول الإسكندرية عيدا فيها عظيما ، يجتمع فيه ملوكهم وأشرافهم ، ولهم أكرة من ذهب مكللة يترامى بها ملوكهم ويتلقونها بأكمامهم ، وفيما اختبروا منها على ما وضعها من مضى منهم أنه من وقعت فى كمه واستقرت فيه لم يمت حتى يملكهم.
وأكرم الشماس عمرا الإكرام كله ، وكساه ثوب ديباج ألبسه إياه ، وجلس معه فى ذلك المجلس مع الناس حيث يترامون بالأكرة وهم يتلقونها بأكمامهم ، فرمى بها رجل منهم ، فأقبلت تهوى حتى وقعت فى كم عمرو ، فعجبوا من ذلك ، وقالوا : ما كذبتنا هذه الأكرة قط إلا هذه المرة ، أترى هذا الأعرابى يملكنا؟ هذا ما لا يكون أبدا.
وإن ذلك الشماس مشى فى أهل الإسكندرية ، وأعلمهم بأن عمرا أحياه مرتين ، وأنه ضمن له ألفى دينار ، وسألهم أن يجمعوا ذلك له فيما بينهم ، ففعلوا ودفعوها إلى عمرو ، فانطلق هو وصاحبه ، وبعث معهما الشماس دليلا ورسولا ، وزودهما وأكرمهما ، حتى رجعا إلى أصحابهما ، فدفع إليهم عمرو فيما بينهم ألف دينار ، وأمسك لنفسه ألفا.
قال : فكان أول مال اعتقدته وتأثلته.
فبذلك ما عرف عمرو مدخل مصر ومخرجها ، ورأى فيها ما علم به أنها أفضل البلاد وأكثره مالا.
فلما قدم عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه ، الجابية خلا به عمرو ، وقال : يا أمير المؤمنين ائذن لى فأسير إلى أرض مصر ، فإنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونا لهم ، وهى أكثر الأرضين أموالا ، وأعجزه عن القتال ، فتخوف عمر وكره ذلك ، فلم يزل عمرو بن العاص يعظم أمرها فى نفسه ويخبره بحالها ، ويهون عليه فتحها ، حتى ركن لذلك عمر ، فعقد له على أربعة آلاف رجل ، كلهم من عك ، وقال : سيروا وأنا مستخير الله فى مسيرك ، وسيأتيك كتابى سريعا ، فإن لحقك كتابى آمرك فيه بالانصراف فانصرف ، وإن دخلتها قبل أن يأتيك كتابى ثم جاءك فامض لوجهتك ، واستعن بالله فاستنصره.
فمضى عمرو من جوف الليل ، ولم يشعر به أحد من الناس ، واستخار عمر ربه ، فكأنه تخوف على المسلمين فى وجههم ذلك ، فكتب إلى عمرو بن العاص : أن انصرف بمن معك من المسلمين إن أدركك كتابى قبل أن تدخل مصر ، فأدرك الكتاب عمرا وهو برفح ، فتخوف إن هو أخذه فقرأه أن يجد فيه الانصراف كما عهد إليه عمر ، فلم يأخذ الكتاب من الرسول ، وسار كما هو حتى مر بقرية صغيرة فيما بين رفح والعريش ، فسأل