من أمدادهم ، ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم ، فالله الله ، قد أفرد كل رجل منكم ببلد من البلدان ، لا ينقصه منه أن دان لأحد من أمراء الجنود ، ولا يزيده عليه أن دانوا له ، وأن تأمير بعضكم لا ينقصكم عند الله ولا عند خليفة رسول الله ، تهيئوا فإن هؤلاء قوم قد تهيئوا ، وهذا يوم له ما بعده ، فإن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم نزل نردهم ، وإن هزمونا لم نفلح بعدها ، فهلموا فلنتعاور الإمارة ، فليكن عليها بعضنا اليوم والآخر غدا والآخر بعد غد ، حتى يتأمر كلكم ، ودعونى إليكم اليوم.
فأمروه ، وهم يرون أنها كخرجاتهم ، وأن الأمر أطول مما ساروا إليه ، فخرجت الروم فى تعبئة لم ير الراءون مثلها قط ، وخرج خالد فى تعبئة لم تعبها العرب قبل ذلك ، خرج فى نحو ستة وثلاثين كردوسا ، وقال : إن عدوكم قد كثر وطغى وليس من التعبئة أكثر فى رأى العين من الكراديس ، فجعل القلب كراديس وأقام فيه أبا عبيدة ، وجعل الميمنة كراديس ، وعليها عمرو بن العاص ، وفيها شرحبيل بن حسنة ، وجعل الميسرة كراديس وعليها يزيد بن أبى سفيان ، وكان خالد على كردوس ، والقعقاع بن عمرو ومذعور بن عدى وعياض بن غنم وهاشم بن عتبة وزياد بن حنظلة وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو وعبد الرحمن بن خالد وهو يومئذ ابن ثمان عشرة سنة ، وحبيب ابن مسلمة ، وآخرون غيرهم من جلة الصحابة وأشراف الناس وفرسان العرب ، كل واحد منهم على كردوس كردوس.
وفى حديث آخر (١) أنه شهد اليرموك ألف رجل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيهم نحو من مائة رجل من أهل بدر ، وكان أبو سفيان يسير فيقف على الكراديس ، فيقول :الله الله ، إنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام ، وإنهم ذادة الروم وأنصار المشركين ، اللهم إن هذا يوم من أيامك ، اللهم أنزل نصرك على عبادك.
وعن عبد الرحمن بن غنم ، وكان شهدها ، قال : كان أبو سفيان وأشياخ المسلمين محامية لا يجولون ولا يقاتلون ، يفىء إليهم الناس ، فإذا كانت على الروم قال ، وقالوا : هلك بنو الأصفر ، اللهم اجعله وجههم ، وإذا كانت على المسلمين قال وقالوا : يا بنى الإخوان ، أين أين اللهم اردد لهم الكرة. فإذا كروا قالوا : إيه يا بنى الإخوان ، وإذا حملوا قالوا : اللهم أعنهم وانصرهم.
وفى غير حديث عبد الرحمن (٢) : أن رجلا قال يومئذ لخالد : ما أكثر الروم وأقل
__________________
(١) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٣٩٧).
(٢) انظر : تاريخ الطبرى (٣ / ٣٩٨).