صاغرون ، نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم فى كل عام أبدا ما بقينا وبقيتم ، ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم فى شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم ، ونقوم بذلك عنكم إذ كنتم فى ذمتنا ، وكان لكم به عهد علينا ، وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت من آخرنا أو نصيب ما نريد منكم. هذا ديننا الذي ندين الله تعالى به ، ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينكم غيره ، فانظروا لأنفسكم.
فقال له المقوقس : هذا ما لا يكون أبدا ، ما تريدون إلا أن تتخذونا عبيدا ما كانت الدنيا!.
فقال له عبادة : هو ذلك فاختر ما شئت!.
فقال له المقوقس : أفلا تجيبوننا إلى خصلة غير هذه الخصال الثلاث؟.
فرفع عبادة يديه فقال : لا ورب هذه السماء ، ورب هذه الأرض ، وربنا ، ورب كل شيء ، ما لكم عندنا خصلة غيرها ، فاختاروا لأنفسكم.
فالتفت المقوقس عند ذلك إلى أصحابه ، فقال : قد فرغ القوم ، فما ذا ترون؟.
فقالوا : أو يرضى أحد بهذا الذل؟ أما ما أرادوا من دخولنا فى دينهم فهذا ما لا يكون أبدا ، أن نترك دين المسيح ابن مريم وندخل فى دين غيره لا نعرفه ، وأما ما أرادوا أن يسبونا ويجعلونا عبيدا فالموت أيسر من ذلك ، لو رضوا منا أن نضعف لهم ما أعطيناهم مرارا كان أهون علينا.
فقال المقوقس لعبادة : قد أتى القوم (١) فما ترى؟ فراجع أصحابك (٢) على أن نعطيكم فى مرتكم هذه ما تمنيتم وتنصرفوا.
فقام عبادة وأصحابه ، فقال المقوقس عند ذلك لمن حوله : أطيعونى وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث ، فو الله ما لكم بهم طاقة ، ولئن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم كارهين.
فقالوا : وأى خصلة نجيبهم إليها؟.
قال : أنا أخبركم ، أما دخولكم فى غير دينكم فلا آمركم به ، وأما قتالكم فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم ، ولن تصبروا صبرهم ، ولا بد من الثالثة.
__________________
(١) فى ابن عبد الحكم : قد أبى القوم.
(٢) فى ابن عبد الحكم : صاحبك.