وأيضا أظنكم والله لهم وضعتموها وأنتم لا تشعرون ، فالآن فأطيعونى وسموها ؛ فإن كانت لنا فأهون هالك ، وإن كانت علينا كنا قد صنعنا شيئا ، وأبلينا عذرا. فقالوا : لا ، إلا اقتدارا عليهم.
وجعل جابان على مجنبتيه عبد الأسود وأبجر ، وخالد على تعبئته فى الأيام التي قبلها ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، والمشركون يزيدهم كلبا وشدة ما يتوقعون من قدوم بهمن ، فصابروا المسلمين للذى كان فى علم الله أن يصيرهم إليه ، وحرب المسلمون عليهم ، وقال خالد : اللهم لك علىّ إن منحتنا أكتافهم أن لا استبقى منهم أحدا قدرنا عليه حتى أجرى نهرهم بدمائهم! ثم إن الله ، عزوجل ، كشفهم للمسلمين ، ومنحهم أكتافهم ، فأمر خالد مناديه ، فنادى فى الناس : الأسر الأسر! لا تقتلوا إلا من امتنع ، فأقبلت الخيول بهم أفواجا مستأسرين يساقون سوقا ، وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم فى النهر ، ففعل ذلك بهم يوما وليلة وطلبوهم الغد وبعد الغد ؛ حتى انتهوا إلى النهرين ، ومقدار ذلك من كل جوانب أليس. فضرب أعناقهم ، وكانت على النهر أرحاء فطحنت بالماء وهو أحمر قوت العسكر ثلاثة أيام وهم ثمانية عشر ألفا أو يزيدون.
ولما رجع المسلمون من طلبهم ، ودخلوا عسكرهم ، وقف خالد على الطعام الذي كان المشركون قدموه لغدائهم فأعجلوا عنه ، فقال للمسلمين : قد نفلتكموه فهو لكم ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أتى على طعام مصنوع نفله ، فقعد الناس على ذلك لعشائهم بالليل ، وجعل من لا يرد الأرياف ولا يعرف الرقاق يقول : ما هذه الرقاع البيض! وجعل من قد عرفها يجيبهم ، ويقول لهم مازحا : هل سمعتم برقيق العيش؟ فيقولون : نعم ، فيقول : هو هذا ؛ فسمى الرقاق.
وعن خالد بن الوليد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نفل الناس يوم خيبر الخبز والطبيخ والشواء وما أكلوا غير ذلك فى بطونهم غير متأثليه.
وبعث خالد بالخبر مع رجل يدعى جندلا من بنى عجل ، وكان دليلا صارما ، فقدم على أبى بكر ، رضياللهعنه ، بالخبر ، وبفتح أليس ، وبقدر الفيء ، وبعدة السبى ، وبما حصل من الأخماس ، وبأهل البلاء من الناس ، فلما رأى أبو بكر صرامته وثبات خبره ، قال : ما اسمك؟ قال : جندل. فقال أبو بكر : ويها جندل :
نفس عصام سودت عصاما |
|
وعلمته الكرّ والإقداما |
وأمر له بجارية من السبى فولدت له.