فاشترى خالد ابنة الجودى ، وكانت موصوفة بالجمال ، ثم إن خالدا رد الأقرع إلى الأنبار ، وثبت بدومة قليلا ، ثم ارتحل منها إلى الحيرة ، فلما كان قريبا منها حيث يصحبها أخذ القعقاع أهلها بالتغليس فخرجوا يتلقونه وهم مغلسون ، وجعل بعضهم يقول لبعض : مروا بنا فهذا فرج الشر.
قالوا : وقد كان خالد عند ما أقام بدومة كاتب عرب الجزيرة الأعاجم غضبا لعقة ، فخرج زرمهر من بغداد ومعه روزبه يريدان الأنبار ، واتعدا حصيدا والخنافس ، فكتب بذلك الزبرقان وهو على الأنبار إلى القعقاع بن عمرو وهو يومئذ خليفة خالد على الحيرة ، فبعث القعقاع أبا ليلى بن فدكى السعدى وأمره بحصيد ، وبعث عروة بن الجعد البارقى وأمره بالخنافس ، وقال لهما : إن رأيتما مقدما فأقدما. فخرجا فحالا بينهما وبين الريف ، وانتظر روزبه وزرمهر بالمسلمين اجتماع من كاتبهما من ربيعة ، وقد كانوا تكاتبوا واتعدوا.
فلما رجع خالد من دومة إلى الحيرة على الظهر وبلغه ذلك وقد عزم على مصادمة أهل المدائن كره خلاف أبى بكر ، وأن يتعلق عليه بشيء ، فعجل القعقاع وابن عمرو ، وأبا ليلى بن فدكى إلى روزبه وزرمهر ، فسبقاه إلى عين التمر ، وقدم على خالد كتاب امرئ القيس الكلبى ، أن الهذيل بن عمران قد عسكر بالمصيخ ، ونزل ربيعة بن بجير بالثنى فى عسكر غضبا لعقة ، يريدان زرمهر وروزبه. فخرج خالد وعلى مقدمته الأقرع ابن حابس ، واستخلف على الحيرة عياض بن غنم ، وأخذ خالد طريق القعقاع وأبى ليلى حتى قدم عليهما بالعين ، فبعث القعقاع إلى حصيد ، وأمره على الناس ، وبعث أبا ليلى إلى الخنافس ، وأمره على الناس ، وقال : زجياهم ليجتمعوا ومن استشارهم ، وإلا فواقعاهم ، فأبى روزبه وزرمهر إلا المقام.
فلما رآهما القعقاع لا يتحركان سار نحو حصيد ، وعلى من به من العرب والعجم روزبه. ولما رأى روزبه أن القعقاع قد قصد له استمد زرمهر ، فأمده بنفسه ، واستخلف على عسكره المهبوذان ، فالتقوا حينئذ فاقتتلوا ، فقتل الله العجم مقتلة عظيمة ، وقتل القعقاع زرمهر وقتل ، أيضا ، روزبه ، قتله عصمة بن عبد الله ، أحد بنى الحارث بن طريف ، من بنى ضبة ، وكان عصمة من البررة ، وكل فخذ هاجرت بأسرها تدعى البررة ، وكل قوم هاجروا من بطن يدعون الخيرة ، فكان المسلمون خيرة بررة ، وغنم المسلمون يوم حصيد غنائم كثيرة ، وأرز فلّال حصيد إلى الخنافس فاجتمعوا بها.