أندبكم فتبطئون ، وينتدب غيركم فأؤمركم عليهم إنما فضلتم بتسرعكم ، فإن نكلتم فضلوكم.
وعجل عمر ، رضياللهعنه ، المثنى ، وقال : النجاء حتى يقدم عليك أصحابك. فخرج المثنى ، وقدم الحيرة فى عشر ، ولحقه أبو عبيد بعد شهر.
وفى كتاب المدائنى أن تحرك عمر لهذا البعث إنما كان بكتاب المثنى إليه ، يستمده ويحرضه على أرض فارس ، فذكر بإسناد له إلى جماعة من أهل العلم يزيد بعضهم على بعض : أن عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه ، قال حين ولى : والله لأعزلن خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة ليعلما أن الله إنما ينصر دينه وليس ينصر إياهما ، فكتب إليه المثنى وهو بالحيرة : أنا بأرض فارس ، وقد عرفناهم وغازيناهم وغلبناهم على بعض ما فى أيديهم ، ومعى رجال من قومى لهم صلاح ونجدة وصدق بلاء عند الناس وجرأة على البلاد ، فإن رميتنا بجماعة من قبلك رجوت أن يفتح الله عليهم ، قالوا : ولم تكن لعمر ، رحمهالله ، همة حين قام بأمر المسلمين إلا الروم وفارس ، فلما أتاه كتاب المثنى بن حارثة خطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، وحثهم على الجهاد ، ورغبهم فيه ، وأنبأهم بما أعد الله للمجاهدين فى سبيله ، وقال : أنتم بين فتح عاجل وذخر آجل ، وقد أصبحتم بالحجاز بغير دار مقام ، وقد وعدكم الله كنوز كسرى وقيصر ، وأنزل على نبيه صلىاللهعليهوسلم (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الفتح : ٢٨] ، وقال : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [التوبة : ٣٣] ، فانهضوا لجهاد عدوكم من أهل فارس ، فإن لكم بها إخوانا ليسوا مثلكم فى السابقة ، وقد لقوهم وقاتلوهم فاستعدوا للمسير إليهم رحمكم الله (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال : ٦٠] ، ولا تركنوا إلى الدنيا ، واستعينوا بالله واصبروا.
فتثاقل الناس حين ذكر فارس. فقال عمر : (ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) [التوبة : ٣٨] ، فقام أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة الثقفى ، فقال : أنا أول من انتدب ، ثم قام سليط بن قيس بن عمرو فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا ثان ، ثم قام رهط من الأنصار ، فسمى منهم نفرا. قال : ثم تتابع الناس وكثروا وقالوا : يا أمير المؤمنين ، أمر علينا رجلا ، فقال : أؤمر عليكم أول من انتدب ، فاستعمل عليهم أبا عبيد ، وقال : لم يمنعنى من استعمال سليط بن قيس ، وهو من أهل بدر إلا عجلة فيه ، فخشيت أن يلقى المسلمين ملقى يهلكون فيه ، وكان فيمن